فيقال إن الحكم بن يغوث المنقري
كان في الجاهلية أرمى أهل زمانه، فهو ما رمى هدفاً إلا أصابه.
وحصل أن استيقظ المنقري يوماً فوقع نظره على ( الغبغب ) وهو اسم لصنم يعبده،
فحلف يميناً قائلا: لقد آليت على نفسي يميناً لأدجن على «الغبغب» مهاة، والمقصود هنا بأن يذبح مهاة قربانا لصنمه.
فخرج الحكم حاملاً قوسه وكنانته، قاصداً بغيته في أمر هو عليه هين كعادته في الصيد.
فمرت أمامه مهاة فشد قوسه نحوها، ولكنه لم يصبها، وهربت منه، وحاول في ذلك اليوم مع غيرها فلم يفز بأي منها،
فرجع كئيبا حزينا، وبات ليلته على ذلك، فهو لم يحقق ما آل على نفسه من يمين.
فلما أصبح الصباح خرج المنقري الى قومه وقال: ما أنتم صانعون، فإني قاتل نفسي اليوم إن لم أدجها، قاصدا إن لم أذبحها؟
فقال له أخوه الحصين: يا أخي دج مكانها عشراً من الأبل قرباناً لصنمك، قاصداً حتى يكفر بها عن يمينه.
فقال الحكم: لا واللات والعزى، لا أظلم عاترة، وأترك النافرة.
ولا خير فيني إن لم أوفي بوعدي بذبح المهاة لأقدمها الى صنمي ( الغبغب )، فإني أخشى أن يصيبني منه سوء.
عندها قال له ابنه المطعم بن الحكم، وهو بعد غلام: يا أبت، احملني معك أرفدك وأعينك.
فرد الحكم ساخراً: وما أحمل من رعش وهل ضعيف وجبان، وهل ستصيد ما عجزت أنا عنه؟
فضحك المطعم، وقال: إن لم تر أوداجها تخالط أمشاجها فاجعلني وداجها، أي قرباناً لصنمك بدلاً عنها.
فانطلق الحكم وابنه طلباً لصيدهما، فإذا هما بمهاة، فرماها الحكم فأخطأها، ثم مرت به أخرى فرماها فأخطأها.
فقال مطعم: يا أبت، أعطني القوس، فأعطاه إياها، فشد قوسه نحو المهاة وأصابها، فقال له أبوه: ( رب رمية من غير رامٍ ).
والحقيقة أن الانسان قد يحالفه الحظ من دون قصد، فيصيب له أمر كان مكتوباً، سواء أكان خيراً أم شراً.
وكان عليه أن يشكر ابنه بدلا من أن يتهكم عليه، وهذه رسالة للآباء والمعلمون والمربون أن التعزيز الإيجابي والتغذية الراجعة هي من أكبر أسباب التربية الناجحة.
المصدر:
مجمع الأمثال للنيسابوري 1/299.
زهر الأكم لليوسي 3/38.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق