الجمعة، 15 يناير 2021

حبل الكذب قصير

عندما سأل هرقل أبا سفيان في حواره معه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيبه بكل صدق، فيقول أبو سفيان معلقاً: فوالله لولا الحيا من أن يأثروا عليا كذباً لكذبت.
فتقول العرب أن حبل الكذب قصير، فما قصته؟

تدور أحداث المثّل: الكذب حبله قصير ، في مدينة بغداد قديماً ، حيث سرق من أحد التجار مبلغاً كبيراً من المال ، وكان السارق أحد من خدمه ، فبفطنة وحكمة شديدين ، قام التاجر بوضع خطة لكشف السارق ، وقال قولته الشهيرة التي أصبحت مثلاً كالتالي .

حيث يروى أنه كان لتاجر غني من بغداد ، عشرة خدام ، وفي أحد الأيام تبين له ، أن أحدهم قد سرق منه كيساً ، وفيه ألف دينار ، أخذ التاجر يفكر كثيراً ، ويبحث عن طريقة ، تجعله يكشف من هو السارق ؟!

وبعد تفكير عميق ، أعطى كل واحد من خدمه حبلاً ، طوله نصف متر ، وقال لهم : أن يحضروا إليه صبيحة اليوم التالي ، لأن السارق سوف يطول حبله ، بعشرة سنتيمترات .

وفي صبيحة اليوم التالي ، حضر جميع الخدام ، وأخذ يبحث حبل كل واحد منهم ، وكانت جميع الحبال ، بنفس الطول ، كما أعطاهم إياها سابقاً ، ما عدا واحداً ، كان طوله أقصر بعشر سنتيمترات ، فعرف أنه السارق .

والذي حصل هو ، أن هذا السارق ، قام بقص عشر سنتيمترات من الحبل ، ظناً منه أن حبله فعلاً سيطول ، بعشر سنتيمترات ، وعند اكتشاف من هو السارق ، قال له التاجر : حبل الكذب قصير

ليس غباء من الإنسان إذا صدق كذبتك، فالغباء فعلاً: شعورك (بالرجولة) وأنت تكذب وقتها.

من يكذب مرة، لا يدرك قدر الورطة التي أوقع نفسه فيها، إذ عليه أن يخترع عشرين كذبة أخرى للحفاظ على هذه الكذبة.

وما زال الرجل يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا
كذبــتَ ومن يَـكذِب فإنَّ جــزَاءَهُ ... إذا مـَـا أَتـَـى بالـصــِّدْقِ أَلاَّ يُـصـدَّقــَا
إذَا عُرِفَ الكَذَّابُ بالكَذِبِ لَمْ يَزَلْ ... لدَى الناسِ كَذَّابًا و إِن كَان صـَادقًا

يقول الشاعر صالح عبدالقدوس في قصيدته الزينبية التي نسبت للخليفة علي ابن ابي طالب رضي الله عنه، وهي لصالح بن عبدالقدوس أقرب:
 يقول فيها: 
صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ
والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ
وكذاك وصلُ الغانيات فإنهُ ...
 آلٌ ببلقعةٍ وبرقٌ خلبُ
مدري من هي زينب
لكن الشعر القديم غالباً ما يبدأ بمقدمة طللية

ثم بدأها بالأبيات الجميلة التي يعتبر كل بيت منها حكمة، يقول في مطلعها بعد المقدمة الغزلية:
فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب

ثم يقول: تباً لدار لا يدوم نعيمها ... ومشيدها عما قليل يخرب
فاسمع هديت نصائحاً أولاكها ... بر نصوح للأنام مجرب

ثم أتى بنصائح جمة وأبيات مشهورة ربما أغلبنا سمعها ولكن لا يعرف من قائلها، 
ومن أشهر الأبيات التي في هذه القصيدة:
وإذا أصابك في زمانك شدة ... أو نالك الخطب الكريه الأصعب
فادع لربك إنه أدنى لمن ... يدعوه من حبل الوريد وأقرب


وهو القائل ايضا:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها ... شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
واحذر عدوك إذ تراه باسماً ... فالليث يبدو نابه إذ يغضب
وإذا الصديق رأيته متملقاً ... فهو العدو وحقه يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتقلب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب
واحذر مؤاخاة الدني لأنه ... يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً ... إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ... وإن الكذوب يشين حراً يصحب، وهذا البيت هو شاهدنا في هذا المثل.

وويجملها قوله:
وإذا رأيت الرزق عز ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب



القضيدة كاملة:
صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ ... والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ
وكذاك وصلُ الغانيات فإنهُ ...  آلٌ ببلقعةٍ وبرقٌ خلبُ
فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
واخش مناقشة الحساب فإنه ... لا بد يحصى ما جنيت ويكتب
والليل فاعلم والنهار كلاهما ... أنفاسنا بهما تعد وتحسب
لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها ... ستردها بالرغم منك وتسلب
وعرور دنياك التي تسعى لها ... دار حقيقتها متاع يذهب
وجميع ما حصلته وجمعته ... حقاً يقيناً بعد موتك ينهب
تباً لدار لا يدوم نعيمها ... ومشيدها عما قليل يخرب
فاسمع هديت نصائحاً أولاكها ... بر نصوح للأنام مجرب
أهدى النصيحة فاتعظ بمقاله ... فهو التقي اللوذعي الأدرب
لا تأمن الدهر الخؤون لأنه ... ما زال قدماً للرجال يؤدب
وعواقب الأيام في غصاتها ... مضض يذل له الأعز الأنجب
ويفوز بالمال الحقير مكانة ... فتراه يرجى ما لديه ويرغب
ويبش بالترحيب عند قدومه ... ويقام عند سلامه ويقرب
فاقنع ففي بعض القناعة راحة ... ولقد كسي ثوب المذلة أشعب
لا تحرصن فالحرص ليس بزائد ... في الرزق بل يشقي الحريص ويتعب

كم عاجز في الناس يأتي رزقه ... رغداً ويحرم كيس ويخيب
فعليك تقوى الله فالزمها تفز ... إن التقي هو البهي الأهيب
واعمل بطاعتك تنل منه الرضا ... إن المطيع لربه لمقرب
وارع الأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب لك مكسب
واحذر من المظلوم سهماً صائباً ... واعلم بأن دعاءه لا يحجب
واخفض جناحك للأقارب كلهم ... بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا
وإذا بليت بنكبة فاصبر لها ... من ذا رأيت مسلماً لا ينكب
وإذا أصابك في زمانك شدة ... أو نالك الخطب الكريه الأصعب
فادع لربك إنه أدنى لمن ... يدعوه من حبل الوريد وأقرب
واحذر مؤاخاة الدني لأنه ... يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً ... إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ... وإن الكذوب يشين حراً يصحب
وذر الحقود ولو صفا لك مرة ... وأبعده عن رؤياك لا يستجلب
إن الحقود وإن تقادم عهده ... فالحقد باق في الصدور مغيب
واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة في كل ناد تخطب
والسر فاكتمه ولا تنطق به ... فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها ... شبه الزجاجة كسرها لا يشعب

واحذر عدوك إذ تراه باسماً ... فالليث يبدو نابه إذ يغضب
وإذا الصديق رأيته متملقاً ... فهو العدو وحقه يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتقلب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب
وإذا رأيت الرزق عز ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب
فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي ... فالنصح أغلى ما يباع ويوهب
خذها إليك قصيدة منظومة ... جاءت كنظم الدار بل هي أعجب
حكم وآداب وجل مواعظ ... أمثالها لذوي البصائر تكتب
فاصغ لوعظ قصيدة أولاكها ... طود العلوم الشامخات الأهيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما أشبه الليلة بالبارحة

 ما أشبه الليلة بالبارحة" مقولة شهير يرددها الكثير منا على لسانه لاسيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الأراء والمبادئ، وله...