الثلاثاء، 12 يناير 2021

رب ضارة نافعة


في أحد المطارات نام أحد المسافرين في إحدى الرحلات الجوية في قاعة الانتظار وهو ينتظر موعد الإقلاع وصحا فجأة من نومه والطيارة تقلع فجن جنونه وشعر بكآبة شديدة لم يشعر بمثلها من قبل، وما هي إلا دقائق وإذا بالطائرة تنفجر أثناء الإقلاع، ورغم أن الحادث كان مريعاً إلى أنه شعر أنه ولد من جديد وقال: رب ضارة نافعة.

وذات يوم خرجت سفينة تبحر في عباب البحر ، محملة بالبضائع والركاب، وهم في وسط البحر إذ بريح عاتية وعاصفة شديدة تهب على السفينة فتقلبها رأسًا على عقب ، 

 فهلك من في السفينة الا أحد الركاب رجلٌ أخذت تتلاعب به الأمواج وتسيره كيف تشاء حتى ألقت به على جزيرة مجهولة ومهجورة لا يوجد بها أحد .

وما كاد الرجل يستفيق من إغمائه ويلتقط أنفاسه ؛ حتى وجد نفسه في هذه الجزيرة المهجورة، ولم يكن للحياة بد إلا أن يعتمد على نفسه للإبقاء على حياته

مرت عدة أيام والرجل يقتات من ثمار الشجر وصيد الحيوانات البرية الموجودة ، واستقر به الحال حتى استطاع أن يبني كوخًا صغيرًا من أعواد الشجر ليحتمي به من برد الليل القارص .

وذات يوم وضع الرجل طعامه لينضج على نار أشعلها بأعواد الخشب ، وذهب يتجول حول الكوخ ، ولكنه حينما عاد فوجئ بأن النار اشتعلت وبدأت تلته ما حولها  في الكوخ الذي كان يأويه والذي تعب فيه كثيرا ، 

فأخذ الرجل يندب حظه العاثر ويبكي على ما آل إليه حاله .

 ونام على حزنه وهو جائع مهموم ومغموم، وفي الصباح كانت هناك مفاجأة كبيرة في انتظاه ، حيث وجد سفينة تقترب من الجزيرة التي يمكث بها ، وتنزل قاربًا من قوارب النجاة لإنقاذه ،ففرح الرجل كثيرًا وحمد الله على النجاة .

ولما صعد على متن السفينة سألهم كيف وجدوه ؟ فقالوا : لقد رأينا دخانًا كثيفًا منبعث من الجزيرة ، فعرفنا أن هناك شخصًا على قيد الحياة يطلب الإنقاذ ، 

فتعجب الرجل من رحمة الله به ، وكيف أنه كان ناقم على ما جرى له ، وظنه شرًا ولكنه ما كان إلا خيرًا ، فرب ضارة نافعة

 لذا إذا ساءت ظروفك فلا تخف ، فقط ثق بأن الله له حكمة في كل ما يحدث من أمور ، وأحسن الظن بالله .

قد يفرح الإنسان لخير أصابه وهذا شيء طبيعي، وكذلك من الطبيعي أن يحزن الإنسان لأمر أضر به ولكن الإنسان يغفل أن ما كتبه الله له أو عليه، أو شيء حرمه الله عليه، أن هذا  منه سبحانه حكمة غلبت كل شيء نافعة له

 فرب نفع له لا ينتفع به، ورب ضارة نفعته ، فالله سبحانه وتعالى مسير الأمور بالخير والشر، وهو الأعلم بما هو أصلح للإنسان، ولو كشف الغطاء لما اختار الانسان الا اختيار الله له

بعض الناس يبالغ في خوفه وقلقه وأنه بخسارته هذه خسر كل شيء في حياته، وأنه في كارثة ليس لها مثيل، وغالباً ما نكون أثناء هذه الحالة مركزين ذهنياً على المساوئ والتفكير البنتائج السلبية، ولا يتبادر إلى ذهننا وقتها أن في هذه الخسارة مكاسباً قد تكون أكبر وأكثر من الخسارة، ورب ضارة نافعة.

لكل شيء في الحياة فائدة وحكمة ولكننا مع الملامسة لهذه الأشياء وكثرة المتقلبات في حياتنا، صرنا لا ننتبه لفوائد كثير من الأشياء لأنها صارت أشياء عادية، فكم مرت علينا ظروف مؤلمة ولكنها بالأخير جلبت لنا سعادة لاحقة، فكم من أمور كنت تطمح لها ولكن صرفها الله عنك ثم تكتشف أن ذلك كان خيرا لك

وكذلك كثير من الناس وجدوا أنفسهم في ظروف مؤلمة تجلب لهم الحزن والاكتئاب، ولكن كانت هذه الظروف تحمل الفائدة والسعادة اللاحقة لأصحابها،

فسجن ابن تيمية والسرخسي فألف كتابه المشهور (المبسوط) وابن هبة الله الزوال وابن اسحاق الصابي وغيرهم، كل هؤلاء أنتجوا علماً غزيراً وهم في السجن.

وسفر ابن القيم وبعده عن أهله ساعده على تأليف كتابه (زاد المعاد، وبدع الفوائد، وروضة المحبين ومفتاح دار السعادة)، ومرض ابن الأثير الذي أقعده ساعده على تأليف كتبه الرائعة (جامع الأصول) و(النهاية).

وفقدان بصر أبي العلاء المعري وعبدالله البردوني وغيرهم أنتج لنا شعراَ مميزاً، وكتابة طه حسين لمذكراته بعد عماه، 

وفقر وتغرب العلماء والمحدثين جمع لنا آلاف الأحاديث وأنواع العلوم وتصانيفها،

وكم من أناس بعد عزلهم من مناصبهم قدموا للأمة أضعاف ما قدموه وهم في مناصبهم، وظروف دستويفسكي وتولستوي والسياب وغيرهم من يتم وفقر وغربة ساعدهم على إنتاج أدب قوي مؤثر لم يكد ينافسهم أحد


وقبل هذا كله يقول الله: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما أشبه الليلة بالبارحة

 ما أشبه الليلة بالبارحة" مقولة شهير يرددها الكثير منا على لسانه لاسيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الأراء والمبادئ، وله...