الخميس، 10 ديسمبر 2020

ندمتُ ندامة الكُسَعِي

 أندم من الكسعى

واسْم الكُسَعِي: محَارب بن قيس

وقد رغب في التفوق على منافسيه في الصيد، فخطط لاقتناء قوس ما رأت بمثله العربمن قوته ومرونته،

وكان يرعى إبلاً له بوادٍ مُعْشب، فبينما هو كذلك إذ أبْصرَ نَبْعَة في صخرة، فأعجبتُه، فقال: ينبغي أن تكون هذه قوساً فجعل يتعهدها ويرصدها حتى إذا أدْرَكتْ قطعها وجَفَّفها، فلما جفت اتخذ منها قوساً، وأنشأ يقول:

يارَبِّ وَفِّقْنِي لِنَحْتِ قَوْسِي ... فإنَّهَا مِنْ لَذَّتِي لِنْفْسِي

وَانْفَعْ بِقَوْسِي وَلَدِي وَعِرْسِي ... انْحَتُها صَفْرَاء مِثْلَ الوَرْسِ

صفْرَاء لَيْسَتْ كَقِسىِّ النِّكْسِ ...

ثم دهَنَها وخطمها بوَتَر، ثم عمد إلى ما كان من بُرَايتها فجعل منها خمسة أسْهُمْ، وجعل يقلبها في كفه ويقول:

هُنَّ وَرَبِّي أسْهُمٌ حِسَانُ ... تلذ للرَّامِي بِهَا البَنَانُ

كأنما قوامها مِيزانُ فأبشِرُوا بِالخِصْبِ يَا صِبيان

إن لم يَعُقْنِ الشؤمُ والحِرْمانُ ...

ثم خرج حتى أتى قُتَرَةً على مَوَارد حُمْر فكمن فيها، فرمى قطيع منها، فرمى عَيراً منها فأمخطه السهمُ: أي أنقذه فيه وجازه، وأصاب الجبل فأورَى ناراً، فظنَّ انه أخطأه فانشأ يقول:

أعُوذُ بالله العَزِيزِ الرَّحْمنْ ... مِنْ نَكْدِ الْجَدِّ مَعاً وَالْحِرْمَانْ

مَالي رَأيْتُ السَّهْمَ بَيْنَ الصوَّانْ ... يُورِى شَرَاراً مِثْلَ لَوْنِ الْعِقْيَانْ

فأخْلَفَ الْيَوْمَ رَجَاءَ الصِّبْيَانْ ...

ثم مكث على حاله فمر قطيع آخر، فرمى منها عَيْرا فأمْخَطَة السهم، وصَنَعَ صنيع الأول،

فأنشأ يقول:

لاَ بَارَكَ الرحمنُ في رَمي القَتر ... أعُوذُ بالخْالِقِ مِنْ سُوء الْقَدَرْ

أأمْخَطَ السَّهْمُ لإرْهَاقِ البَصَرْ ... أمْ ذَاكَ مِنْ سُوءِ احْتِياَلٍ وَنَظَرْ

أم لَيْسَ يغنى حذرٌ عِنْد قدر ... 

ثم مكث على حاله، فمر قطيع آخر، فرمى منها عيراً فأمخطه السهم، فصنع صنيع الثاني، فأنشأ يقول:

مَابَالُ سَهْمِي يُوْقِدُ اُلْحُبَاحَبَا ... قَدْ كُنْتُ أرجُو أنْ يَكُونَ صَائِباً

وأمكن العير وَوَلَّى جَنِباً ... فَصَارَ رَأْيِي فِيهِ رَأْياً خَائِياً

ثم مكث مكانه، فمر به قطيع آخر، فرمى عيراً منها فصنع صنيع الثالث، فأنشأ يقول:

يَا أََسَفِي للِشُؤمِ والجدّ النَّكدْ ... أَخْلَفَ مَا أرْجُو لأهْلٍ وَوَلَدْ

ثم مر به قطيع أخر، فرمى عيراً منها فصنع صنيع الرابع، فأنشأ يقول:

أبَعْدَ خَمْسٍ قَدْ حَفِظْتُ عَدَّهَا ... أحْمِلُ قَوْسِي وَأرِيدُ ورْدَهَا

أخْزَى الإلهُ لينها وَشدَّهَا ... وَاللهِ لاَ تَسْلَمُ عِنْدِي بَعْدَهَا

وَلاَ أُرَجِّى مَا حَيِيتُ رِفْدَهَا


ثم عمد إلى قوسه فضرب بها حَجَراً فكسرها، ثم بات، فلما أصبح نظر فإذا اُلْحمُرُ مطروحة حوله مُصَرعة، أسهمه بالدم مُضَرَّجة، فندم على كَسْر القوس، فشدَّ على إبهامه فقطعها، وأنشأ يقول:

نَدِمْتُ نَدَامَةٌ لَوْ أنَّ نَفْسِي ... تُطَاوِعُني إذاً لَقَطَعْتُ خَمْسِي

تَبَيَّنَ لي سفَاهُ الرَّأي مِنِّي ... لَعَمْرُ أبِيك حِينَ كَسرتُ قَوْسِي



وَقَالَ الفرزدق

نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِّي لمَّا ... غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ

وكانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ منها ... كآدَمَ حِيْنَ أخْرَجَهُ الضِّرَارُ

فَكُنْتُ كَفَاقِئٍ عَيْنَيِهْ عَمْدَاً ... فأصْبَحَ مَا يُضِئُ لَهُ النَّسهَارُ

وَلَوْ أنِّي مَلكَتُ يَدِي وَقَلْبِي ... لَكَانَ عَلَىَّ لِلْقَدَرِ الخِيَارُ

وَمَا طَلَّقْتُها شِبَعاً، ولكِنْ ... رَأيْتُ الدَّهْرَ يأخُذُ مَايُعَارُ.


المصدر: 

- جمهرة الأمثال لابن مهران: 2/324.

- مجمع الأمثال للميداني: 2/342.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ما أشبه الليلة بالبارحة

 ما أشبه الليلة بالبارحة" مقولة شهير يرددها الكثير منا على لسانه لاسيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الأراء والمبادئ، وله...