من شب على شيء شاب عليه
يقول بعضهم أن المثل يساند ويعزز قانون الحتمية الذي يعمل به البطالون والكسالى ومقاوموا التغيير، ويبررون تقاعسهم بأنهم قد نشأوا على تلك الحال! فإذا ما دعوته نحو التغيير والتجديد أو تغيير إحدى عاداته السيئة، برر بأنه نشأ على هذا واعتذر بهذا بقوله من شب على شيء شاب عليه.
إذ أن فئة من الناس أثرَّت تلك القاعدة في حياتها تأثيراً بالغاً، فترى حليبهُ الذي رَضِعهُ أسود لا أبيض، شب على ضعفِ الهمّة ومحدوديَة التفكير، وتوقُع الأسوأ من الحياة.
يتمثل لقول الشاعر
وكل إلى طبعه عائد ... وإن صده المنع عن قصده
كذا الماء من بعد اسخانه ... يعود سريعاً إلى برده
يسعى جاهداً لنشر أسوأ ما يعتقدهُ عن الحياة إذ يعتقدُ أنّ الحياة غير مُنصفة، حتى لو دخل الطيبون عالمه لا يتأثر، لا يتغير، ولا يتعلم، حتى لو أو أسقطته الظروف أرضاً يعتقدُ أن طريقة حياته صحيحة وأن حلوله الدائمة مثالية.
شبّ على أنهُ الأفضل دائماً وما يملكهُ الأفضل دائماً، فتراهُ لا يمنحُ نفسهُ فُرصةً ليتغيّر نحو الأفضل أو يتعلم ليكون أفضل.
يقول الشاعر:
مشى الطاوس يوماً باختيالٍ ... فقلد شكل مشيته بنوه
فقال على ما تختالون؟ قالوا ... لقد بدأت ونحن مقلدوه
فخالف سيرك المعوج واعدل ... فإنا إن عدلت معدلوه
أما تدري أبانا كل فرع ... يجاري بالخطى من أدبوه
وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه
إلا أن معنى المثل يفوق هذه النظرة فكثيراَ من الناس تجاوزوا قواعد تربيتهم الخاطئة أو ما شبّت عليه نفوسهم وطمحوا للتغيير والتحسين في أنفُسهِم.
حين وعو أن معنى «من شَبَّ على شيءٍ شابَ عليه»: من علّم نفسهُ وبدأ بتطويرها وتهذيبها وعلّمها وآتاها من طيباتِ ما في الأرض من خيرٍ وعِلمٍ ومعرفة شابَ على ذلك، وكبُر على ذلك، وصار لعُمرهِ معنىً ولحياته استمرارية ولمن حولهِ نفعاً وخيراً.
ومن ظنّ أنّ قطار شبابه قد فاتهُ على تغيير ما ينبغي تغييره من معتقدات وأفكار وأساليب وتربية، فهي فرصة للتغير فهو الذي يملك زمام أمره، ولا يزال الله يُعطي عباده الذين يسعون ويبحثون ويعملون، فقد لا يكون الخير في أول عُمُرك، بل في آخره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق