الثلاثاء، 19 يناير 2021

رمتني بدائها وانسلت

 تقول العرب لمن يحاول نسب عيوبه الى غيره، وهو معروف عند بعض الناس من ضعاف النفوس، أو عند من لا يثق بنفسه، وهكذا فهناك من يلصق عيوبه بغيره، لأنه لا يراها ولا يشعر بها، فتقول: رمتني بدائها وانسلت:

وقصته:

أن سعد بن زيد مناة بن تميم كان تزوج رهم بنت الخزرج بن تيم الله بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة، وكانت من أجمل الناس، فولدت له مالك ابن سعد وعوفا، 

وكان ضرائرها إذا ساببنها يقلن: يا عفلاء يعرضن بها في قومها، فشكت إلى أمها

فقالت لها أمها: إذا ساببنك فأبدئيهن بعفال .

فلما بدأت امرأة من ضرائرها، فقالت لها رهم: يا عفلاء، فقالت لها ضرتها: رمتني بدائها وانسلت، فأرسلتها مثلا.


المصدر:

مجمع الأمثال للميداني: 1/286 

المستقصى من امثال العرب للزمخشري: 2/103.


الاثنين، 18 يناير 2021

لأمر ما جدع قصير أنفه

لأمر ما جدع قصير أنفه

وقصير هو قصير بن سعد اللخمي وكان نديماً  لجذيمة بن مالك بن نصر الذي يقال له: جذيمة الأبرش وجذيمة الوضاح، والعرب تقول للذي به البرص: به وضح، تفاديا من ذكر البرص.

وكان جذيمة ملك ما على شاطئ الفرات، وكانت الزباء ملكة الجزيرة، وكانت من أهل جاجرم، وهي بلدة من خراسان بين نيسابور وجرجان، وليحرر، وتتكلم بالعربية، 

وكان جذيمة قد وترها بقتل أبيها، فلما استجمع أمرها، وانتظم شمل ملكها، أحبت أن تغزو جذيمة، 

ثم رأت أن تكتب إليه أنها لم تجد ملك النساء إلا قبحا في السماع، وضعفا في السلطان، وأنها لم تجد لملكها موضعا، ولا لنفسها كفؤا غيرك، فأقبل إلي لأجمع ملكي إلى ملكك وأصل بلادي ببلادك، وتقلد أمري مع أمرك، تريد بذلك الغدر.

فلما أتى كتابها جذيمة وقدم عليه رسلها استخفه ما دعته إليه، ورغب فيما أطمعته فيه، فجمع أهل الحجا والرأي من ثقاته، وهو يومئذ ببقة من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه، وعرضت عليه

فاجتمع رأيهم على أن يسير إليها فيستولي على ملكها، وكان فيهم قصير، وكان أريبا حازما أثيرا عند جذيمة، فخالفهم فيما أشاروا به، وقال: رأي فاتر، وغدر حاضر، فذهبت كلمته مثلا،

 ثم قال لجذيمة: الرأي أن تكتب إليها، فإن كانت صادقة في قولها فلتقبل إليك، وإلا لم تمكنها من نفسك، ولم تقع في حبالتها وقد وترتها وقتلت أباها، فلم يوافق جذيمة ما أشار به، فقال قصير:

إني امرؤ لا يميل العجز ترويتي ... إذا أتت دون شيء مرة الوذم

فقال جذيمة: لا، ولكنك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح، فذهبت كلمته مثلا، ودعا جذيمة عمرو بن عدي ابن أخته فاستشاره فشجعه على المسير، وقال: إن قومي مع الزباء، ولو قد رأوك صاروا معك، فأحب جذيمة ما قاله، وعصى قصيرا، فقال قصير: لا يطاع لقصير أمر، فذهبت مثلا،

وانطلق جذيمة  واستخلف ابن اخته عمرو بن عدي على ملكه وسلطانه، وجعل عمرو بن عبد الجن معه على جنوده وخيوله، وسار جذيمة في وجوه أصحابه، فأخذ على شاطئ الفرات من الجانب الغربي،

 فلما نزل دعا قصيرا فقال: ما الرأي يا قصير؟ فقال قصير: " ببقة خلفت الرأي، فذهبت مثلا، قال: وما ظنك بالزباء؟ قال: القول رادف، والحزم عثراته تخاف، فذهبت مثلا، واستقبله رسل الزباء بالهدايا والألطاف،

 فقال جذيمة: يا قصير كيف ترى؟ قال قصير: خطب يسير في خطب كبير، فذهبت مثلا، وستلقاك الجيوش، فإن سارت أمامك فالمرأة صادقة، وإن أخذت جنبتيك وأحاطت بك من خلفك فالقوم غادرون بك، فاركب العصا فإنه لا يشق غباره، فذهبت مثلا، وكانت العصا فرسا لجذيمة لا تجارى، وإني راكبها ومسايرك عليها، 

فلقيته الخيول والكتائب، فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصير، ونظر إليه جذيمة على متن العصا موليا فقال: ويل امه حزما على متن العصا، فذهبت مثلا، وجرت به إلى غروب الشمس، ثم نفقت، وقد قطعت أرضا بعيدة، فبنى عليها برجا يقال له: برج العصا، وقالت العرب: خير ما جاءت به العصا، فذهبت مثلا، 

وسار جذيمة وقد أحاطت به الخيل حتى دخل على الزباء، فلما رأته تكشفت فإذا هي مضفورة الاسب، فقالت: يا جذيمة أدأب عروس ترى؟ فذهبت مثلا، فقال جذيمة: بلغ المدى، وجف الثرى، وأمر غدر أرى، فذهبت مثلا. ودعت بالسيف والنطع 

ثم قالت: إن دماء الملوك شفاء من الكلب، فأمرت بطست من ذهب قد أعدته له وسقته الخمر حتى سكر وأخذت الخمر منه مأخذها، فأمرت براهشيه فقطعا، وقدمت إليه الطست، وقد قيل لها: إن قطر من دمه شيء في غير الطست طلب بدمه، وكانت الملوك لا تقتل بضرب الأعناق إلا في القتال تكرمة للملك، فلما ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه في غير الطست، فقالت: لا تضيعوا دم الملك، فقال جذيمة: دعوا دما ضيعه أهله، فذهبت مثلا، فهلك جذيمة، وجعلت الزباء دمه في ربعة لها، 

وخرج قصير من الحي الذي هلكت العصا بين أظهرهم حتى قدم على عمرو بن عدي وهو بالحيرة، فقال له قصير: أثائر أنت؟ قال: بل ثائر سائر، فذهبت مثلا، ووافق قصير الناس وقد اختلفوا، فصارت طائفة مع عمرو بن عدي اللخمي، وجماعة منهم مع عمرو بن عبد الجن الجرمي، فاختلف بينهما قصير حتى اصطلحا وانقاد عمرو بن عبد الجن لعمرو ابن عدي، 

فقال قصير لعمرو بن عدي: تهيأ واستعد ولا تطلن دم خالك، قال: وكيف لي بها وهي أمنع من عقاب الجو؟ فذهبت مثلا، وكانت الزباء سألت كاهنة لها عن هلاكها، فقالت: أرى هلاكك بسبب غلام مهين، غير أمين، وهو عمرو بن عدي، ولن تموتي بيده، ولكن حتفك بيدك، ومن قبله ما يكون ذلك، فحذرت عمرا، واتخذت لها نفقا من مجلسها الذي كلنت تجلس فيه إلى حصن لها في داخل مدينتها، وقالت: إن فجأني أمر دخلت النفق إلى حصني، 

ودعت رجلا مصورا من أجود أهل بلاده تصويرا وأحسنهم عملا، فجهزته وأحسنت إليه، وقالت: سر حتى تقدم على عمرو بن عدي متنطرا فتخلوا بحشمه وتنضم إليهم وتخالطهم وتعلمهم ما عندك من العلم بالصور، ثم أثبت لي عمرو بن عدي معرفة، فصوره جالسا وقائما وراكبا ومتفضلا ومتسلحا بهيئته ولبسته ولونه، فإذا أحكمت ذلك فأقبل إلي، فانطلق المصور حتى قدم على عمرو بن عدي وصنع الذي أمرته به الزباء، وبلغ من ذلك ما أوصته به، ثم رجع إلى الزباء بعلم ما وجهته له من الصورة على ما وصفت، وأرادت أن تعرف عمرو بن عدي فلا تراه على حال إلا عرفته وحذرته وعلمت علمه، 

فقال قصير لعمرو بن عدي: اجدع أنفي، واضرب ظهري، ودعني وإياها، فقال عمرو: ما أنا بفاعل، وما أنت لذلك مستحقا عندي، فقال قصير: خل عني إذن وخلاك ذم، فذهبت مثلا، فقال له عمرو: فأنت أبصر، فجدع قصير أنفه، وأثر آثارا بظهره، فقالت العرب: لمكر ما جدع قصير أنفه، وفي ذلك يقول المتلمس:

وفي طلب الأوتار ما حز أنفه ... قصير، ورام الموت بالسيف بيهس

ثم خرج قصير كأنه هارب، وأظهر أن عمرا فعل ذلك به، وأنه زعم أنه مكر بخاله جذيمة وغره من الزباء، فسار قصير حتى قدم على الزباء، فقيل لها: إن قصيرا بالباب، فأمرت به فأدخل عليها، فإذا أنفه قد جدع وظهره قد ضرب، 

فقالت: ما الذي أرى بك يا قصير؟ قال: زعم عمرو أني قد غررت خاله، وزينت له المصير إليك، وغششته، ومالأتك ففعل بي ما ترين، فأقبلت إليك وعرفت أني لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك، فأكرمته وأصابت عنده من الحزم والرأي ما أرادت، 

فلما عرف أنها استرسلت إليه ووثقت به قال: إن لي بالعراق أموالا كثيرة وطرائف وثيابا وعطرا، فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي وأحمل إليك من بزوزها وطرائفها وثيابها وطيبها، وتصيبين في ذلك أرباحا عظاما. وبعض ما لا غنى بالملوك عنه، وكان اكثر ما يطرفها من التمر الصرفان، وكان يعجبها، فلم يزل يزين ذلك حتى أذنت له، ودفعت إليه أموالا وجهزت معه عبيدا، فسار قصير بما دفعت إليه حتى قدم العراق وأتى الحيرة متنكرا، فدخل على عمرو فأخبره الخبر، وقال: جهزني بصنوف البز والأمتعة لعل الله يمكن من الزباء فتصيب ثأرك وتقتل عدوك، فأعطاه حاجته، فرجع بذلك إلى الزباء، فأعجبها ما رأت وسرها، وازدادت به ثقة، 

وجهزته ثانية فسار حتى قدم على عمرو فجهزه وعاد إليها، ثم عاد الثالثة وقال لعمرو: اجمع لي ثقات أصحابك وهيئ الغرائر والمسوح واحمل كل رجلين على بعير في غرارتين، فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقها وخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة، فمن قاتلهم قتلوه، وإن أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف، ففعل عمرو ذلك، وحمل الرجال في الغرائر بالسلاح وسار يكمن النهار ويسير الليل، 

فلما صار قريبا من مدينتها تقدم قصير فبشرها وأعلمها بما جاء من المتاع والطرائف، وقال لها: آخر البز على القلوص، فأرسلها مثلا، وسألها أن تخرج فتنظر إلى ما جاء به، وقال لها: جئت بما صاء وصمت، فذهبت مثلا، ثم خرجت الزباء فأبصرت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها، فقالت: يا قصير

ما للجمال مشيها وئيدا ... أجندلا يحملن أم حديدا

أم صرفانا تارزا شديدا ...

فقال قصير في نفسه: بل الرجال قبضا قعودا ...

فدخلت الإبل المدينة حتى كان آخرها بعيرا مر على بواب المدينة وكان بيده منخسة فنخس بها الغرارة فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها، فضرط، فقال البواب بالرومية بشنب ساقا، يقول: شر في الجوالق فأرسلها مثلا، 

فلما توسطت الإبل المدينة أنيخت ودل قصير عمرا على باب النفق الذي كانت الزباء تدخله، وأرته إياه قبل ذلك، وخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة ووضعوا فيهم السلاح، وقام عمرو على باب النفق، وأقبلت الزباء تريد النفق، فأبصرت عمرا فعرفته بالصورة التي صورت لها، فمصت خاتمها وكان فيه السم وقالت: بيدي لا بيد ابن عدي، فذهبت كلمتها مثلا، وتلقاها عمرو فجللها بالسيف وقتلها، وأصاب ما أصاب من المدينة وأهلها، وانكفأ راجعا إلى العراق.


المصدر:

مجمع الأمثال للميداني: 1/233.

زهر الأكم في الأمثال والحكم: ص 1/208.


الأحد، 17 يناير 2021

عش رجباً ترى عجباً

 وقيل إن أول من قال مثل “عش رجبًا، ترَ عجبًا”، هو الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبه، وكان قد طلق واحدة من نسائه حينما بلغه الكبر، وصار مسنًّا لما كرهته وأبغضته وخلفت عليه رجلًا أخر وتزوجته، وكانت تبادله من الوجد والحب ما لم تمنحه للحارث، ولما التقى زوج طليقة الحارث به أخبره بذلك، فقال له : عش رجبًا تر عجبًا؛ أي عش رجبا بعد رجب،

 وهذا إشارة إلى تعاقب السنوات، وقد قصد بمقولته: حين يطول بك العمر، وتبلغ من الكبر مبلغًا، سترى تقلبها عليك، وهجرها لك.

أي: فلن يعجبك بعدها العجب، وهي حالة تذمر 

وهو مثل لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب

 ومعناه انه لا يرضيهم افظل الامور وضرب مثل بالصيام في رجب بما انه الصيام متعب وشاق وشهر رجب جوه رائع ونهاره قصير فذاك يفي بان الصيام بذاك الشهر شيأ جميل وسهل وحتى ذاك لم يعجبهم.

ويقال أن جحا ذات يوم خرج وابنه ومعهم الحمار في طريقهم إلى السوق ، وأراد جحا أن يخفف عن الحمار ؛ فلم يركب لا هو ، ولا ابنه ، فلما مروا بجماعة من الناس ، سمعهم يقولوا يا لهذا الرجل اللئيم يوفر ماله ويشقي نفسه ويمشي هو وابنه على الأرض تاركين الحمار !

فركب جحا وابنه الحمار ، ومرا بجماعة أخرى ، فلما رأوهم ، قالوا يا لهؤلاء الرجال ، إنهم قساة القلب ، منعدمي الرحمة ، يركبون الحمار سويًا ، ولا يكفيهم أن يركب واحد منهم ؛ كي لا يشقى الحمار !

فلما سمع جحا وولده هذا الحوار ، نزل الابن ، وظل جحا راكبًا على ظهر حماره ، وولده يمشي خلفه ، ومروا بجماعة أخرى ، فلما رأوهم قالوا : ما هذا الأب القاسي الذي يترك ولده يمشي خلفه ، ويركب هو ليظل مرتاحًا منعمًا !

فلما سمعهم جحا نزل من على حماره ، وجعل ابنه يركب مكانه ، وظل هو يمشي خلف الحمار ، فلما مر بجماعة أخرى قالوا يا لا هذا الابن العاق ، كيف يركب هو على الحمار ، ويترك أبوه المسن يمشي خلفه ! ، بعدها قال جحا لابنه : أرأيت بابني إن رضا الناس غاية لا تدرك ، فلا شيء يعجبهم مهما فعلت .

رضا الناس غاية لا تُدرك ورضا الله غاية لا تُترك فاترك مالا يدرك لأجل مالا يترك فالله يملك كل مالا يدرك

الجمعة، 15 يناير 2021

على الوعد يا كمون

 قصة مثل على الوعد يا كمون:

ويعتبر هذا المثل واحد من الأمثال العربية الشائعة، والتي تُقال لأولئك الذين يخلفون وعودهم بشكل دائم، ولا يصدقون مع الآخرين أبدًا في أقوالهم، والكمون كما هو معروف عنه من النباتات التي لا تحتاج إلى الريّ كثيرًا، إذ كان المزارعون يتجاوزونه عند سقي المزروعات، ولا يهتمون به كثيرًا لقوة تحمله العطش، وهناك قصة خرافية تزعم أن الكمون احتج على عدم سقي الفلاحين له ذات مرة، وطلب إليهم مساواته مع باقي المزروعات، فكان الفلاحون في كل مرة يعدونه بالسقي، غير أنهم كانوا ينكثون وعدهم دائمًا، فذهب فعلهم مع الكمون وعدم وفائهم بالوعد مثلًا شاع على ألسنة العامة، وعنه يقول الشاعر: تجعلوني ككمون بمزرعة إن فاته السقي أغنته المواعيد.

قصة أخرى لمثل: على الوعد يا كمون:

وأحداث القصة تدور حول رجل حكيم وطالب متعالم يُدعى كمون، والقصة بدأت بأن تحدى أحدهم الآخر بأن يصنع سمًّا زعافًا؛ كي يعرفا من منهما الأكثر براعة، ولهذا اقترحا أن يجرب أحدهما السمّ على الآخر، وكان الطالب المتعالم يكره معلمه الحكيم.

أسرع الطالب المتعالم وصنع السم أولًا من أجل القضاء عليه، وقام بإعطائه للحكيم وانتظر نتيجة شرب الحكيم للسم، غير أن الحكيم تمكن من أن يعالج نفسه بالحجامة، أي أنه قام بتجريح جسده ليخرج الدم مع السم، كما أنه قام بطلاء جسمه بالعسل لتتجمع عليه الحشرات، وتقوم بامتصاص الدم و تنقيته من السم، تفاجأ كمون حين رأى الحكيم حيًّا لم يمت، وبدأ يفكر بأن عليه أن ينفذ جزاه من الاتفاق، أي يقوم بشرب السم الذي سيصنعه الرجل الحكيم.

سأل كمون الحكيم وهو خائف متى سيخلص من السم ليعطيه لشربه، حينها أجابه الحكيم بكل برود، وقال: سأسقيك أسقيك يا كمون، يتوعده، وتنقضي الأيام والأسابيع، والحكيم معتكف في بيته ملازم له، بينما كمون جالس على جمر الانتظار ويزداد قلقًا، وبقي يتساءل ما الذي يصنعه الحكيم؟ وأي سمّ هذا الذي استهلك كل تلك المدة، ويسرع إلى الحكيم متى الوعد يا حكيم؛ فيجيبه هذا بكل هدوء: سأسقيك أسقيك يا كمون، جُن جنون كمون يريد أن يعرف ماذا يُعد له، تمر الأيام ويتضاعف هلع كمون؛ فيموت من القلق و الخوف، وحتى قبل أن يشرب أي سم، فكان القلق والخوف السم الذي قتله.

إن الأوقات الكثيرة التي مرت بكمّون وهو يترقب، حتى بلغت روحه وخرجت من الخوف والرعب وعدم تصوّر الخلطة السامة، بل وأين ستكون الضربة، جعلته يموت ويقضي من الهم والنكد، ومنذ ذلك الوقت صار قول الحكيم وطالبه كمون مثلًا على الوعد الكاذب الذي قد يؤدي بصاحبه إلى الجزع‏ والخوف والهلاك.

خذوا الحكمة من أفواه المجانين

خذوا الحكمة من أفواه المجانين

يعد مثل: خذوا الحكمة من أفواه المجانين، طبعاً المجانين العقلاء:

 من أشهر الأمثال العربية ، وتعود أحداث ذلك المثل إلى قديم الزمان ، عندما حدث خلاف بين أخ أكبر وأخوته على تقسيم الميراث

وذلك أن رجلًا ثريًا سافر إلى بلد بعيد، فجاء الخبر بأنه وافته المنية ، في بلد بعيد عن بلده ، وحين وصل خبر وفاته إلى أولاده ، حدد ابنه الأكبر يومًا لأخذ العزاء في أبيه ، لكن إخوته طالبوا بالميراث .

وعندما طالبه اخوته بالميراث ، قال الأخ الأكبر انتظروا حتى ننتهي من مراسم العزاء ، وبعدها لكم ما أردتم ، ولكنهم رفضوا بشدة ، وقالوا له بإصرار بل نقسم التركة اليوم ، فرفض هو الآخر مطلبهم وقال لهم : إنها ستكون مأخذ علينا ، فماذا سيقول الناس عنا ، إذا رأونا نقسم التركة قبل انتهاء العزاء.

وذهب الاخوة فورًا إلى قاضي البلدة ، يشكون من أخاهم الأكبر ، فأرسل له القاضي أمرًا بالحضور أمامه ، فأخذ الأخ الأكبر يفكر كثيرًا فيما عليه أن يفعل ، وأخيرًا اهتدى الأخ الأكبر إلى الذهاب لأحد حكماء البلدة ، ليستشيره وكان معروف عنه أنه صاحب رأي صائب ، فقص الأخ الأكبر على حكيم البلدة موضوع الخلاف بينه وبين أخوته ، وقال له انظر لي مخرجًا من تلك المشكلة .

فرد عليه حكيم البلدة قائلًا : أذهب وأسرد قصتك على فلان فلن يفتيك ولن يعطيك الحل غيره ، وكان معروف عن الشخص الذي أشار إليه الحكيم أنه مجنون ، فقال الأخ الأكبر كيف أذهب إليه إنه مجنون ، كيف يعطى حلاً في خلاف عجز عن حله العقلاء ، فرد عليه الحكيم قائلًا : اذهب إليه إن عنده حل مشكلتك .

وبالفعل ذهب الأخ الأكبر إلى الرجل الذي نصحه الحكيم بالذهاب إليه ، وسرد عليه قصته مع إخوته وخلافه معهم الذي وصل إلى الاحتكام للقضاء ، فقال له الرجل اذهب لإخوتك وقل لهم هل عندكم من يشهد بأن أبي قد مات ؟ ، فقال الأخ الأكبر للرجل : أصبت والله ! كيف لم أفكر في هذا الأمر .

ذهب الأخ الأكبر الى المحكمة ، وقال للقاضي ما قاله ذلك الرجل بالتمام ، فما كان من القاضي إلا أن قال له : إنك محق ، ثم التفت الى الأخوة أصحاب النزاع وقال لهم هل عندكم شهود على وفاة أبيكم ؟ فقالوا له : إن أبانا توفي في بلد بعيد ، وجاء الخبر ولا يوجد شاهد على ذلك .

فقال لهم القاضي : آتو بالشهود ، وظلت القضية معلقة بالمحكمة حتى يأتي الخبر الأكيد بموت والدهم ، وقال لهم أخوهم الأكبر لو كنتم صبرتم أسبوعًا واحدًا كان خيرًا لكم ، وذهب قوله (خذوا الحكمة من أفواه المجانين ) مثلًا يتناقله الأجيال حتى الآن .

إلا أننا سنتفيد من القصة أيضا:قول الله: وفق كل ذي علم عليم.

ذاك الشبل من ذاك الأسد

 يُضرب هذا المثل حين يشابه الولد أباه، فيأتي بأفعال تشبه أفعال والده، أو قد يصدر منه موقفًا شبيه بموقف لأبيه، فيتصرف على نفس النحو والنهج، 

فتقول العرب: هذا الشبل من ذاك الأسد، أو من شابه أباه فما ظلم، وكل هذه الأمثال تربط بين الولد والوالد، ولهذا المثل قصة طريفة حدثت مع أحد البخلاء.

أما قصة مثل: هذا الشبل من ذاك الأسد، فيُروى أن أحد الأشخاص نزل ضيفًا على صديق له من البخلاء، وكان عند هذا الصديق صبي صغير، وما أن وصل الضيف نادى البخيل على ولده وقال له: عندنا ضيف قريب إلى قلبي أود أن أكرمه، اذهب واشترِ لنا نصف كيلو من اللحم من أحسن اللحم الموجود عند الجزار،

 وبعد مدة عاد الولد ولم يشترِ شيئًا، فسأله أبوه أين اللحم؟

 فقال الولد: بأنه ذهب إلى الجزار وقال له أعطني أحسن ما عندك من لحم، فقال الجزار له: سأعطيك لحمًا كأنه الزبد، فقال في نفسه: إذا كان الأمر كذلك لما لا أشتري الزبد بدلًا من اللحم، لذا ذهب إلى البقال وقال له: أعطني أفضل ما عندك من الزبد، فقال له البقال: سأعطيك زبدًا كأنه العسل، فقال في نفسه إذا كان سيعطيني زبدًا كأنه العسل، لما لا أشتري العسل؟

بعد ذلك ذهب الولد إلى بائع العسل وقال له: هات أفضل ما عندك من عسل، فقال له: سأعطيك من العسل أحسنه، كأنه الماء الزلال، فقال الولد في نفسه: إذا كان الأمر كذلك فعندنا في البيت ماء صافٍ زلال، فلمَ أشتري إذن؟

 وهكذا عدت دون أن أشتري شيئًا، فقال الأب: يا لك من صبي شاطر، ولكن فاتك شيء لقد استهلكت حذاءك في الجري من دكان إلى آخر، فقال الصبي: لا يا أبي فقد لبست حذاء الضيف، فقال الأب أنت تشبهني وذاك الشبل من ذاك الأسد.

ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا المثل يُضرب عندما يسلك الولد نفس درب والده، فيتصرف ويفكر بنفس طريقة وأسلوب والده.

وقد قال الشاعر يصور ذلك:

 مشى الطاوس يوماً باختيالٍ ... فقلد شكل مشيته بنوه

فقال على ما تختالون؟ قالوا ... لقد بدأت ونحن مقلدوه

فخالف سيرك المعوج واعدل ... فإنا إن عدلت معدلوه

أما تدري أبانا كل فرع ... يجاري بالخطى من أدبوه

وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه

حبل الكذب قصير

عندما سأل هرقل أبا سفيان في حواره معه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيبه بكل صدق، فيقول أبو سفيان معلقاً: فوالله لولا الحيا من أن يأثروا عليا كذباً لكذبت.
فتقول العرب أن حبل الكذب قصير، فما قصته؟

تدور أحداث المثّل: الكذب حبله قصير ، في مدينة بغداد قديماً ، حيث سرق من أحد التجار مبلغاً كبيراً من المال ، وكان السارق أحد من خدمه ، فبفطنة وحكمة شديدين ، قام التاجر بوضع خطة لكشف السارق ، وقال قولته الشهيرة التي أصبحت مثلاً كالتالي .

حيث يروى أنه كان لتاجر غني من بغداد ، عشرة خدام ، وفي أحد الأيام تبين له ، أن أحدهم قد سرق منه كيساً ، وفيه ألف دينار ، أخذ التاجر يفكر كثيراً ، ويبحث عن طريقة ، تجعله يكشف من هو السارق ؟!

وبعد تفكير عميق ، أعطى كل واحد من خدمه حبلاً ، طوله نصف متر ، وقال لهم : أن يحضروا إليه صبيحة اليوم التالي ، لأن السارق سوف يطول حبله ، بعشرة سنتيمترات .

وفي صبيحة اليوم التالي ، حضر جميع الخدام ، وأخذ يبحث حبل كل واحد منهم ، وكانت جميع الحبال ، بنفس الطول ، كما أعطاهم إياها سابقاً ، ما عدا واحداً ، كان طوله أقصر بعشر سنتيمترات ، فعرف أنه السارق .

والذي حصل هو ، أن هذا السارق ، قام بقص عشر سنتيمترات من الحبل ، ظناً منه أن حبله فعلاً سيطول ، بعشر سنتيمترات ، وعند اكتشاف من هو السارق ، قال له التاجر : حبل الكذب قصير

ليس غباء من الإنسان إذا صدق كذبتك، فالغباء فعلاً: شعورك (بالرجولة) وأنت تكذب وقتها.

من يكذب مرة، لا يدرك قدر الورطة التي أوقع نفسه فيها، إذ عليه أن يخترع عشرين كذبة أخرى للحفاظ على هذه الكذبة.

وما زال الرجل يكذب ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا
كذبــتَ ومن يَـكذِب فإنَّ جــزَاءَهُ ... إذا مـَـا أَتـَـى بالـصــِّدْقِ أَلاَّ يُـصـدَّقــَا
إذَا عُرِفَ الكَذَّابُ بالكَذِبِ لَمْ يَزَلْ ... لدَى الناسِ كَذَّابًا و إِن كَان صـَادقًا

يقول الشاعر صالح عبدالقدوس في قصيدته الزينبية التي نسبت للخليفة علي ابن ابي طالب رضي الله عنه، وهي لصالح بن عبدالقدوس أقرب:
 يقول فيها: 
صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ
والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ
وكذاك وصلُ الغانيات فإنهُ ...
 آلٌ ببلقعةٍ وبرقٌ خلبُ
مدري من هي زينب
لكن الشعر القديم غالباً ما يبدأ بمقدمة طللية

ثم بدأها بالأبيات الجميلة التي يعتبر كل بيت منها حكمة، يقول في مطلعها بعد المقدمة الغزلية:
فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب

ثم يقول: تباً لدار لا يدوم نعيمها ... ومشيدها عما قليل يخرب
فاسمع هديت نصائحاً أولاكها ... بر نصوح للأنام مجرب

ثم أتى بنصائح جمة وأبيات مشهورة ربما أغلبنا سمعها ولكن لا يعرف من قائلها، 
ومن أشهر الأبيات التي في هذه القصيدة:
وإذا أصابك في زمانك شدة ... أو نالك الخطب الكريه الأصعب
فادع لربك إنه أدنى لمن ... يدعوه من حبل الوريد وأقرب


وهو القائل ايضا:
واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها ... شبه الزجاجة كسرها لا يشعب
واحذر عدوك إذ تراه باسماً ... فالليث يبدو نابه إذ يغضب
وإذا الصديق رأيته متملقاً ... فهو العدو وحقه يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتقلب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب
واحذر مؤاخاة الدني لأنه ... يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً ... إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ... وإن الكذوب يشين حراً يصحب، وهذا البيت هو شاهدنا في هذا المثل.

وويجملها قوله:
وإذا رأيت الرزق عز ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب



القضيدة كاملة:
صَرَمتْ حبالَكَ بعـــدَ وصلكِ زينبُ ... والدهـرُ فيه تصرُّمٌ وتقلبُ
وكذاك وصلُ الغانيات فإنهُ ...  آلٌ ببلقعةٍ وبرقٌ خلبُ
فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... وازهد فعمرك مر منه الأطيب
ذهب الشباب فما له من عودة ... وأتى المشيب فأين منه المهرب
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا ... واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
واخش مناقشة الحساب فإنه ... لا بد يحصى ما جنيت ويكتب
والليل فاعلم والنهار كلاهما ... أنفاسنا بهما تعد وتحسب
لم ينسه الملكان حين نسيته ... بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح فيك وديعة أودعتها ... ستردها بالرغم منك وتسلب
وعرور دنياك التي تسعى لها ... دار حقيقتها متاع يذهب
وجميع ما حصلته وجمعته ... حقاً يقيناً بعد موتك ينهب
تباً لدار لا يدوم نعيمها ... ومشيدها عما قليل يخرب
فاسمع هديت نصائحاً أولاكها ... بر نصوح للأنام مجرب
أهدى النصيحة فاتعظ بمقاله ... فهو التقي اللوذعي الأدرب
لا تأمن الدهر الخؤون لأنه ... ما زال قدماً للرجال يؤدب
وعواقب الأيام في غصاتها ... مضض يذل له الأعز الأنجب
ويفوز بالمال الحقير مكانة ... فتراه يرجى ما لديه ويرغب
ويبش بالترحيب عند قدومه ... ويقام عند سلامه ويقرب
فاقنع ففي بعض القناعة راحة ... ولقد كسي ثوب المذلة أشعب
لا تحرصن فالحرص ليس بزائد ... في الرزق بل يشقي الحريص ويتعب

كم عاجز في الناس يأتي رزقه ... رغداً ويحرم كيس ويخيب
فعليك تقوى الله فالزمها تفز ... إن التقي هو البهي الأهيب
واعمل بطاعتك تنل منه الرضا ... إن المطيع لربه لمقرب
وارع الأمانة والخيانة فاجتنب ... واعدل ولا تظلم يطيب لك مكسب
واحذر من المظلوم سهماً صائباً ... واعلم بأن دعاءه لا يحجب
واخفض جناحك للأقارب كلهم ... بتذلل واسمح لهم إن أذنبوا
وإذا بليت بنكبة فاصبر لها ... من ذا رأيت مسلماً لا ينكب
وإذا أصابك في زمانك شدة ... أو نالك الخطب الكريه الأصعب
فادع لربك إنه أدنى لمن ... يدعوه من حبل الوريد وأقرب
واحذر مؤاخاة الدني لأنه ... يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
واختر صديقك واصطفيه تفاخراً ... إن القرين إلى المقارن ينسب
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحباً ... وإن الكذوب يشين حراً يصحب
وذر الحقود ولو صفا لك مرة ... وأبعده عن رؤياك لا يستجلب
إن الحقود وإن تقادم عهده ... فالحقد باق في الصدور مغيب
واحفظ لسانك واحترز من لفظه ... فالمرء يسلم باللسان ويعطب
وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ... ثرثارة في كل ناد تخطب
والسر فاكتمه ولا تنطق به ... فهو الأسير لديك إذ لا ينشب
واحرص على حفظ القلوب من الأذى ... فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها ... شبه الزجاجة كسرها لا يشعب

واحذر عدوك إذ تراه باسماً ... فالليث يبدو نابه إذ يغضب
وإذا الصديق رأيته متملقاً ... فهو العدو وحقه يتجنب
لا خير في ود امرئ متملق ... حلو اللسان وقلبه يتقلب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ... ويروغ منك كما يروغ الثعلب
يلقاك يحلف أنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب
وإذا رأيت الرزق عز ببلدة ... وخشيت فيها أن يضيق المكسب
فارحل فأرض الله واسعة الفضا ... طولاً وعرضاً شرقها والمغرب
فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي ... فالنصح أغلى ما يباع ويوهب
خذها إليك قصيدة منظومة ... جاءت كنظم الدار بل هي أعجب
حكم وآداب وجل مواعظ ... أمثالها لذوي البصائر تكتب
فاصغ لوعظ قصيدة أولاكها ... طود العلوم الشامخات الأهيب

الثلاثاء، 12 يناير 2021

رب ضارة نافعة


في أحد المطارات نام أحد المسافرين في إحدى الرحلات الجوية في قاعة الانتظار وهو ينتظر موعد الإقلاع وصحا فجأة من نومه والطيارة تقلع فجن جنونه وشعر بكآبة شديدة لم يشعر بمثلها من قبل، وما هي إلا دقائق وإذا بالطائرة تنفجر أثناء الإقلاع، ورغم أن الحادث كان مريعاً إلى أنه شعر أنه ولد من جديد وقال: رب ضارة نافعة.

وذات يوم خرجت سفينة تبحر في عباب البحر ، محملة بالبضائع والركاب، وهم في وسط البحر إذ بريح عاتية وعاصفة شديدة تهب على السفينة فتقلبها رأسًا على عقب ، 

 فهلك من في السفينة الا أحد الركاب رجلٌ أخذت تتلاعب به الأمواج وتسيره كيف تشاء حتى ألقت به على جزيرة مجهولة ومهجورة لا يوجد بها أحد .

وما كاد الرجل يستفيق من إغمائه ويلتقط أنفاسه ؛ حتى وجد نفسه في هذه الجزيرة المهجورة، ولم يكن للحياة بد إلا أن يعتمد على نفسه للإبقاء على حياته

مرت عدة أيام والرجل يقتات من ثمار الشجر وصيد الحيوانات البرية الموجودة ، واستقر به الحال حتى استطاع أن يبني كوخًا صغيرًا من أعواد الشجر ليحتمي به من برد الليل القارص .

وذات يوم وضع الرجل طعامه لينضج على نار أشعلها بأعواد الخشب ، وذهب يتجول حول الكوخ ، ولكنه حينما عاد فوجئ بأن النار اشتعلت وبدأت تلته ما حولها  في الكوخ الذي كان يأويه والذي تعب فيه كثيرا ، 

فأخذ الرجل يندب حظه العاثر ويبكي على ما آل إليه حاله .

 ونام على حزنه وهو جائع مهموم ومغموم، وفي الصباح كانت هناك مفاجأة كبيرة في انتظاه ، حيث وجد سفينة تقترب من الجزيرة التي يمكث بها ، وتنزل قاربًا من قوارب النجاة لإنقاذه ،ففرح الرجل كثيرًا وحمد الله على النجاة .

ولما صعد على متن السفينة سألهم كيف وجدوه ؟ فقالوا : لقد رأينا دخانًا كثيفًا منبعث من الجزيرة ، فعرفنا أن هناك شخصًا على قيد الحياة يطلب الإنقاذ ، 

فتعجب الرجل من رحمة الله به ، وكيف أنه كان ناقم على ما جرى له ، وظنه شرًا ولكنه ما كان إلا خيرًا ، فرب ضارة نافعة

 لذا إذا ساءت ظروفك فلا تخف ، فقط ثق بأن الله له حكمة في كل ما يحدث من أمور ، وأحسن الظن بالله .

قد يفرح الإنسان لخير أصابه وهذا شيء طبيعي، وكذلك من الطبيعي أن يحزن الإنسان لأمر أضر به ولكن الإنسان يغفل أن ما كتبه الله له أو عليه، أو شيء حرمه الله عليه، أن هذا  منه سبحانه حكمة غلبت كل شيء نافعة له

 فرب نفع له لا ينتفع به، ورب ضارة نفعته ، فالله سبحانه وتعالى مسير الأمور بالخير والشر، وهو الأعلم بما هو أصلح للإنسان، ولو كشف الغطاء لما اختار الانسان الا اختيار الله له

بعض الناس يبالغ في خوفه وقلقه وأنه بخسارته هذه خسر كل شيء في حياته، وأنه في كارثة ليس لها مثيل، وغالباً ما نكون أثناء هذه الحالة مركزين ذهنياً على المساوئ والتفكير البنتائج السلبية، ولا يتبادر إلى ذهننا وقتها أن في هذه الخسارة مكاسباً قد تكون أكبر وأكثر من الخسارة، ورب ضارة نافعة.

لكل شيء في الحياة فائدة وحكمة ولكننا مع الملامسة لهذه الأشياء وكثرة المتقلبات في حياتنا، صرنا لا ننتبه لفوائد كثير من الأشياء لأنها صارت أشياء عادية، فكم مرت علينا ظروف مؤلمة ولكنها بالأخير جلبت لنا سعادة لاحقة، فكم من أمور كنت تطمح لها ولكن صرفها الله عنك ثم تكتشف أن ذلك كان خيرا لك

وكذلك كثير من الناس وجدوا أنفسهم في ظروف مؤلمة تجلب لهم الحزن والاكتئاب، ولكن كانت هذه الظروف تحمل الفائدة والسعادة اللاحقة لأصحابها،

فسجن ابن تيمية والسرخسي فألف كتابه المشهور (المبسوط) وابن هبة الله الزوال وابن اسحاق الصابي وغيرهم، كل هؤلاء أنتجوا علماً غزيراً وهم في السجن.

وسفر ابن القيم وبعده عن أهله ساعده على تأليف كتابه (زاد المعاد، وبدع الفوائد، وروضة المحبين ومفتاح دار السعادة)، ومرض ابن الأثير الذي أقعده ساعده على تأليف كتبه الرائعة (جامع الأصول) و(النهاية).

وفقدان بصر أبي العلاء المعري وعبدالله البردوني وغيرهم أنتج لنا شعراَ مميزاً، وكتابة طه حسين لمذكراته بعد عماه، 

وفقر وتغرب العلماء والمحدثين جمع لنا آلاف الأحاديث وأنواع العلوم وتصانيفها،

وكم من أناس بعد عزلهم من مناصبهم قدموا للأمة أضعاف ما قدموه وهم في مناصبهم، وظروف دستويفسكي وتولستوي والسياب وغيرهم من يتم وفقر وغربة ساعدهم على إنتاج أدب قوي مؤثر لم يكد ينافسهم أحد


وقبل هذا كله يقول الله: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .



الاثنين، 11 يناير 2021

لعله خيراً

حكمة تقوله العرب مسترجعين ومتأنين في اتخاذ القرارات، واستغلال المحن إلى منح 

وأصل المثل أنه كان عند الملك وزيراً يتمتّع بحكمة كبيرة، ويثق أنّ كل ما يقدّره الله للإنسان هو خير، 

وفي يوم من الأيام خرج الملك برفقة الوزير لصيد الحيوانات، وكان كلما أخفق الملك من إصابة شيء، قال له الوزير: لعلّه خير، وأثناء مسيرهما وقع الملك في إحدى الحفر العميقة.

 فقال له الوزير: لعلّه خير يا مولاي، ثمّ نزف من يد الملك دم كثير، فذهبا إلى الطبيب وأمر بقطع الإصبع حتّى لا يتضرر باقي الجسم بسببه، فغضب الملك غضباً شديداً ورفض الخضوع لأمر الطبيب، إلّا أنّ اصبعه لم يتوقف عن النزيف مما أجبره على قطع إصبعه، 

فقال له الوزير: لعلّه خير، فغضب الملك على الوزير، وقال له: وما الخير في ذلك، في أن ينقطع اصبعي؟! ولغضبه الشديد أمر حرّاسه بإيداع الوزيرالسجن، فقال الوزير: لعلّه في ذلك خير، 

وقضى الوزير فترة طويلة داخل الحبس. وأثناء ذلك في يوم من الأيام خرج الملك للصيد مصطحباً معه حرّاسه وبدون وزيره الذي كان يخرج معهع دائماً،

 إلا أن الملك أخطأ طريقه في الغابات ووقع في يد جماعة من الأشخاص الذين يعبدون الأصنام، وقد أخذوه بهدف تقديمه قرباناً للأصنام التي يعبدونها، وعندما عرضوا الملك على قائدهم وجد إصبعه مقطوعاً فأمر بتركه وإعادته من حيث أتى وذلك لأنّ القربان يجب أن يكون صحيحاً بغير علّة، 

ثمّ عاد الملك إلى القصر مبتهجاً لنجاته من الموت بأعجوبة وتذكر مقولة الوزير أن قطع أصبعه فيه خير بحيث لم يقتل قرباناً بسبب أن يده مقطووعاً، 

فطلب من الحرّاس أن يحضروا الوزير إليه، وروى الملك للوزير ما حصل معه، واعتذر منه عمّا بدر منه، ثمّ سأله عن سبب قوله: لعلّه خير، هل السجن كان له خير، 

فأخبره الوزير الحكيم أن الخير يكمن أنه لو لم يحبسه لكان سيصطحبه معه في الصيد كما يفعل عادة، وسيكون قرباناً للأصنام بدلاً منه.


والفصة الأخرى:

أن رجلاً كان يملك مكاناً متسعاً وله خيل يحبها كثيراً،  وحدث أن هرب ذلك الحصان ولم يعد فحزن عليه فجاء الناس ليعزوه فى فقد الحصان، فابتسم وقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شر لتعزونى فيه؟ بل لعله خير

وبعد مدة فوجئ الناس بالحصان راجعاً ومعه قطيع من الجياد يجره خلفه،  فلما رأى الناس ذلك جاءوا للرجل الحكيم ليهنئوه، فقال لهم: وما أدراكم أن فى ذلك خير، ولكن لعله خيراً إن شاء الله، فسكت الناس عن التهنئة.

وبعد ذلك جاء ابنه ليركب الجواد فانطلق به وسقط الولد من فوق الحصان فانكسرت ساقه، فجاء الناس مرة أخرى ليواسوا الرجل، فقال لهم: ومن أدراكم أن ذلك شر؟ بل لعله خيرا إن شاء الله

فغضب الناس منه إذ أين الخير من كسر ولده رجله

ولكن ما لبثوا أن نشبت حرب في هذه المملكة، فأمر الملك بتجنيد كل شباب البلاد لقتال العدو، وعندما جاؤوا إلى القرية أخذوا كل شباب القرية، وتركوا ابن الحكيم وذلك لأن ساقه مكسورة.
فعرف الناس مقولة الحكيم لعله خيرا، ولعل الخير يكمن في الشر.

من صدق نجا

فقد روى البُخاريّ ومسلم من حديث عبدالله بن عُمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْهُما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول:


 ((انطلق ثلاثةُ رهْطٍ ممَّن كان قبلكم، حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذه الصَّخرة إلاَّ أن تدعوا الله بصالِح أعمالكم،


 فقال رجُل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوانِ شيْخان كبيران، وكنت لا أغْبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أرُح عليهما حتَّى ناما، فحلبتُ لهُما غبوقَهما فوجدتُهما نائمَين، وكرهت أن أغبقَ قبلَهما أهلاً أو مالاً، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظِر استيقاظَهُما حتَّى برق الفجْر، فاستيْقَظا فشرِبَا غبوقَهما، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج،


وقال الآخَر: اللَّهُمَّ كانتْ لي بنتُ عمّ، كانت أحبَّ النَّاس إليَّ، فأردتُها عن نفسِها، فامتنعتْ منِّي حتَّى ألمَّت بها سَنةٌ من السنين، فجاءتْني فأعطيتُها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيْني وبين نفسِها، ففعلتْ، حتَّى إذا قدرتُ عليْها قالت: لا أحلّ لك أن تفضَّ الخاتم إلاَّ بحقِّه، فتحرَّجت من الوقوع عليْها، فانصرفتُ عنْها وهي أحبُّ النَّاس إليَّ، وتركت الذَّهَب الَّذي أعطيتُها، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلت ابتغاء وجهِك، فافْرُج عنَّا ما نحن فيه، فانفرجت الصَّخرة غير أنَّهم لا يستطيعون الخروج منها، 


وقال الثَّالث: اللَّهُمَّ إنّي استأجرتُ أُجراءَ فأعطيْتُهم أجرَهم غير رجُل واحدٍ ترَك الَّذي له وذهب، فثمَّرت أجْرَه حتَّى كثُرَت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أدِّ إليَّ أجْري، فقلتُ له: كلُّ ما ترى من أجرِك، من الإبل والبقر والغنم والرَّقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئْ بي، فقلت: إنِّي لا أستهزئُ بك، فأخَذه كلَّه فاستاقَه، فلم يترك منْه شيئًا، اللَّهُمَّ فإن كنت فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، فافرجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصَّخرة، فخرجوا يَمشون.

وهذه القصة احتوات على كثير من الصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، منها:

مراقبة الله والخوف منه، وطاعة الوالدين، والأمانة والوفاء بالوعد والعهد وغير ذلك

يقول الشافعي رضي الله عنه:

صبرا جميلاً ما أقرب الفرجا .. من راقب الله في الأمور نجا .. 

من صدق الله لم ينله أذى .. ومن رجاه يكون حيث رجا ...

مصائب قوم عند قوم فوائد

من سنن الكون إستفادة بعض الناس من مصائب الآخرين، فحدوث مصيبة لك قد تكون منفعة لغيرك ، وهكذا.

فمثلاً نزول المطر قد يكون به ضرر لشخص بحيث تتعطل مصالحة بينما يكون مفيد للمزارع الذي إستفادت زرعته بتلك المطر.

كما أن إفلاس تاجر وخروجة من مجال معين قد يكون فائدة لغيره حيث أنه أفسح له مجال في السوق ،

وعندما يخسر فريق ما مبارة ما فهي هزيمة له ولمشجعيه بينما هو إنتصار وفائدة للفريق المنتصر ومشجعيه،

وأكبر مثال على ذلك، مرض كرونا كان متعب ومرهق وحصار على مجموعة من الناس، ولكن كان بنفس الوقت فائدة على قوم آخرين، وبقدر ما خسرت بعض الدول بسبب توقف حركة التجارة والاقتصاد بقدر ما انتقلت في حركة كبيرة في التعليم عن بعد، والتكنلوجيا التي استخدمت في خدمة الانسان

أيضا استفاد كثير من اليوتيبرز في زيادة عددة المشتركين والمشاهدات بسبب جلوس الناس في بيوتهم والكم الهائل من الفراغ،

وكثير من الناس استفاد من المحنة وحولها إلى منحة، وخضه دروس في اللغة وفي تخصصات إلى غير ذلك، والأمثلة لا تنتهي، 

هذا يجعلنا ندرك معنى المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد:

ويروى في معنى المثل أن رجلاً زوّجَ ابنته الأولى  إلى فلاح والثانية إلى صانع فخار!

وبعد عام سافر الرجل ليزور ابنتيه ،

فذهب إلى زوجة الرجل الفلاح 

وقد استقبلته ابنته بفرح وسرور، 

وسألها عن حالها وأحوالها وعن زوجها، فقالت أنها بخير، وأن:

زوجها قد استدان ثمن البذور واستأجر أرضا وزرعها، فإذا أمطرت السماء فنحن بخير، وإن لم تمطر فإننا سنتعرض

لمصيبة وخسارة كبيرة!

في اليوم التالي ودع الرجل ابنته بعد دعائه لها بالبرخير والبركة، وذهب لزيارة ابنته الثانية زوجة صانع الفخار،

وصل إليها والتي استقبلته بكل محبة وفرح وسرور

وحينما سألها السؤال التقليدي عن أحوالها وعن أحوال زوجها قالت:

أن زوجها اشترى ترابا بالدين وحوله إلى فخار ووضعه تحت الشمس ليجف!

فإذا لم تمطر السماء فنحن بألف خير وأما إذا أمطرت، فإن الفخار سيذوب وسنتعرض لخسارة كبيرة!

وفي اليوم التالي ودعها ودعا لها بالخير والبركة ورجع عائداً لبيته، وعندما وصل سألته زوجته عن أحوال بناتها

فقال لها: إن أمطرت فاحمدي الله وإن لم تمطر ..فاحمدي الله!

مصائب قوم عند قوم فوائد ، وهكذا هي الحياة وهذه هي الدنيا ما يناسبك لا يناسب غيرك، وما هو مفيد لك مضر لغيرك، والحمد لله على كل حال. 


لا تبع بالرخيص ولا توصي حريص


ويذكر لهذا المثل قصتان:

الأولى أن سقَاياَ كان يبيع الماء للناس بواسطة قربة ينقلها على ظهره في الشوارع ( القربة مصنوعة من جلد الماعز وتستعمل للماء )

 وفي احد الأيام خرج الملك يتفقد أحوال الناس فرأى السقَا ينقل القربه تحت حرارة شمس الصيف الحارقة

 فرأف بحالة وأراد ان يتسبب له في خير:

فقال له: لماذا تتعب نفسك في حرارة الصيف: أليست ثلاثة تكفي لثلاثة، وثلاثة تكفي لثلاثة،

 فقال السقَا لا لا تكفي لأني أوفي دين، وديَن دين، وارمي في بحر.

فقال له الملك: إذاً لا تبع بالرخيص، فقال السقا لا توصي حريص .

فنصرف الملك وعاد لقصره وقال لوزرائه الذين سمعوا ما دار بينه وبين السقَا، هل فهمتم الحوار الذي دار بيني وبين السقا؟

قالوا لا لم ندري، وإنا لمعرفته لمشتاقون.

فقال لهم من يحضر منكم غداً وهو لم يعرف الكلام الذي دار بينني وبين السقا يعتبر نفسه مفصولاً وزارته .

وفي المساء ذهبوا لمنزل السقَا فرادى يسألون عن تفسير ذلك

 وكان يأخذ من كل واحد منهم مبلغاً كبيراً مقابل تفسيره الكلام تطبيقاً لكلام الملك لا تبع بالرخيص 

وفي الصباح قابلوا الملك وهم مرتاحي البال بعد معرفة تفسير الحوار الذي دار بين الملك والسقَا.

فسألهم فأخبروه الخبر

وكان تفسير ذلك أن معنى كلام الملك : ثلاثة تكفي لثلاثة ، يقصد بذلك ان عملك ثلاثة أشهر الربيع تكفي ويمكن ان ترتاح ثلاثة اشهر الصيف الحار،

وثلاثة تكفي لثلاثة يقصد ان عملك ثلاثة أشهر الخريف تكفيك وترتاح ثلاثة أشهر الشتاء البارد،

 فقال السقا: لا

 لأني أوفي دين يقصد بذلك: أنه يقوم برعاية والدية الذين سبق ان صرفا عليه في صغره

 ودين ديَن يقصد بذلك انه يصرف على أولاده حتى يصرفون علية في كبره مستقبلاً،

وقوله وارمي في بحر يقصد: أنه يصرف على زوجته هي البحر الذي كل ما يسقط فيه يذهب سدى

طبعا الوزراء عندما ذهبوا الى السقا فرادى واعطى كل وزير للسقى مبلغاً كبيراً ثمن لمعرفته بما دار بينه وبين الملك وهكذا استفاد السقى ونفذ الوصيه بان لا يبيع رخيص .


أما القصة الأخرى:

فيحكى أن ملكاً خرج بنزهة في مملكته وصادف في احد الحقول رجلاً طاعناً في السن يمارس العمل في حقله، فسلم عليه الملك وقال له:

كيف بعيدك؟

فقال الفلاح : صار قريب.

قال له الملك: فكيف بالإثنين ؟

فقال الفلاح : صاروا ثلاثة.

قال الملك : لماذا لم تزرع مبكراً ؟

فقال الفلاح : زرعت واصبح نصيب الآخرين.

قال الملك: لماذا لم تدخر مما زرعت ؟

فقال الفلاح : اكلوه الاثنان والثلاثون .

قال الملك : إذا لا تبع بالرخيص .

فقال الفلاح : لا توصي حريص .

التفت الملك الى الوزير الذي كان يرافقه وقال: ماذا فهمت ؟

فقال الوزير: لم افهم شيء يا سيدي .

فأعطى الملك مهلة سبعة ايام لوزيره لكي يجيب على هذا الحوار.

عاد الوزير الى بيته وهو حزين فاستغربت زوجته من حال زوجها وسألته ما الذي يقلقك ؟ 

فحكى الوزير لزوجته ما دار بينه وبين الملك، 

فقالت الزوجة : هون عليك غدا سنجد الجواب ،

 وفي الصباح ذهبا الى السوق واشتريا حمل بعير من المواد المأكولات والملبوسات والهدايا ، وذهبا إلى بيت الفلاح

 فاستقبلهما الفلاح بحفاوة، وحكيا للفلاح القصة

فضحك الفلاح وقال إذا الجمل بما حمل ؟ قال الوزير نعم الجمل بما حمل ، فقال الفلاح للوزير:

عندما قال الملك :كيف عيدك؟ يقصد البصر، فأجبته : صار قريب، أي: أن بصري ضعيف.

وأما عندما قال كيف الاثنين ؟ فيقصد: رجليَّ، فأجبته صارتا ثلاثة، أي: صرت أتوكأ على العصا.

وأما عندما قال لماذا لم تزرع مبكراً ؟ فيقصد: لما ذا لم أتزوج مبكراً لأرزق بالأولاد ليعينونني، فقلت: زرعت وأصبح نصيب الآخرين، أي: أني تزوجت ولم ارزق بذكور فذريتي بنات وتزوجنَ .

وأما لماذا لم تدخر مما زرعت؟ قلت أكلوه الاثنان والثلاثون، أي: قد فعلت وأكلته اسناني.

وأما قول الملك لاتبع بالرخيص،  فيقصد: انه سيسألك وعند عدم إجابتك ستلجأ اليَّ ، فقلت له: لا توصي حريص، وأنا لو لم أرى البعير محملاً لما أعطيك الجواب .

السبت، 9 يناير 2021

باع الجمل بما حمل

وأصل المثل 

 يروى أن أعرابياً اشتد عليه المرض يوماً فدعا الله عزوجل و نذر قائلاً : إن مَـنَّ عليَّ  الله بالصحة و العافية ، فسأقوم ببيع جملي هذا بدينارٍ لأي فقير ، و ذلك شكرا و حمداً لله

و فعلاً فقد شافه الله وعادت عليه صحته و عافيته ، فكان من الواجب عليه أن يفي بنذره الذى نذره لله بأن يبيع جمله كما عاهد و بدينار واحد فقط

 و كما تقول العرب : ذهبت السكرة و جاءت الفكرة، ووقع الفأس في الرأس  ؛ فكيف له أن يبيع الجمل بدينار واحد و هو مصدر رزقه الوحيد !؟ و كيف سيعيش من بعده !؟ 

و لم يجد صاحبنا من بدٍ إلا اللجوء إِلَىٰ حكيم البلدة ليجد له مخرجاً من مشكلته ، و قصَّ قصته عليه فسأله الرجل : و كم سعر جملك بالسوق!؟

رد الأعرابي : مائة دينار يا سيدي ، فهل يعقل أن أبيعه بدينار وَاٰحِدٍ فقط !؟

رد الحكيم : إن الله غنيٌ عما لديك ، و هو لم يُوْحِ إليك بأن تظلم نفسك و تنذر بهذا النذر الصعب ، 

و لكن ﻻ تحزن فلكل معضلة حل  

فرد اﻻعرابي : هيا ؛ بالله عليك إنجدني بالحل يا سيدي ...!

قال الحكيم : إعرض جملك كما نذرت للبيع بدينار ، و لكن عليك أن  تشترط بيعه بِرُمَّتِهِ ؛ و إجعل الرمة بتسعة و تسعين وتسعين دينارا و الجمل بدينارٍ وَاٰحِدٍ و بذلك تكون قد وفيت ما عليك ، و لن تخسر شيء من سعر الجمل 

.و هكذا أنقذ الحكيم الأعرابي بحكمتة ، و [ باع الجمل بِرُمَّتِهِ ] 

و الرُّمَّةُ لغةً هي : الحبْلُ اَلَّذِيْٰ يُشَدُّ بِهِ فِيْ عُنُقِ اَلْبَعِيْرِ 

فتقول العرب: باع الجمل بما حمل 

الاثنين، 4 يناير 2021

أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض

تقول العرب إذا تفرق الأخوة وغلبهم العدو واحدا تلو الآخر: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض أي إنما هزمت يوم تفرقت عن أخي

وأصل المثل أن ثوراً أسوداً وأبيضاً وأحمراً كانا في بعض المروج.

فكان الأسد إذا قصد أكل أحد هذه الأثوار  تعاونت عليه،  ولم يقدر عليها، 

فابتكر الأسد حيلة وذهب يوماً إلى الثور الأسود والأحمر وخلا بهما، وقال لهما إن الثور الأبيض ملفت للنظر والصيد، فلا يدل علينا إلا لونه، ولون جلدي مثل لون جلدكما، وإن خليتماني فأكلته خلا لكما المرعى،

فقالا : دونك فكله.

فلما أكله، أتى يوماً آخر إلى الثور الأحمر وقال له: لوني على لونك فدعني آكل الأسود ليخلو لك المرعى،  وأعطيك عهدا ألا أطور بك، فخلاه.

 وأكل الأسد الثور الأسود ، ثم عطف الأسد على الثور الأحمر ليففترسه، فقال الثور الأحمر: ( إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض).

فتخاذل القوم فيما بينهم من أمارات شؤمهم ودلائل شقائهم.

جمع قيس بن عاصم بنيه وقال لهم ليأتني كل واحد منكم بعود فاجتمع عنده عيدان فجمعها وشدها، وقال اكسروها فلم يطيقوا ذلك.

ثم فرقها فناولهم فكسروها، فقال: هذا مثلكم في اجتماعكم وتفرقكم، ثم أنشدهم:

بصلاح ذات البين طول بقائكم ... إن مد في عمري وإن لم يمدد

حتى تلين جلودكم وقلوبكم ... لمسود منكم وغير مسود

إن القداح إذا جمعن فأمها ... بالكسر ذو حنق وبطش أيد

عزت فلم تكسر وإن هي بددت ... فالوهن والتكسير للمتبدد

وقال آخر:

تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً ... وإذا تفرقت تكسرت آحادا.


وصارت العرب تقول: إذا تفرقت الأخوة وانهزموا : أكل يوم أكل الثور الأسود 


المصدر:

جمهرة الأمثال لابن مهران: 1/70.

مجمع الأمثال للميداني: 1/25.

لا عطر بعد عروس

 تقول العرب في الترفع عن أي شيء ثمين بعد رحيل وفقد من يعز عليها: لا عطر بعد عروس.


وعروسٌ اسم رجل من العرب من بني عذرة كانت عنده ابنة عم له تزوجها يقال لها أسماء بن عبدالله العذرية، فمات عنها فحزنت عليه،

فتزوجت بعده ابن عم لها آخر ياقل له نوفل، فتزوجته وهي له كارهة، وكان فقيراً بخيلاً دميماً على النقيض من زوجها الأول عروس،

فانطلق بها نوفل إلى أهله وقد زودها طيباً في سفط.

فسار بها، فمرا بقبر عروس زوجها السابق، فأقبلت تبكيه وترفع صوتها، وتقول: 

يا عروس الأعراس، ويا شديد الباس، مع أشياء لا يعلمها الناس، فغضب زوجها نوفل وانتهرها

وقال: ما تلك الأشياء؟ 

فقالتتمدح زوجا الأول: عن المكارم غير نعاس، يعمل السيف صبيحات الباس.

وأردفت ترثي زوجا عروس: يا عروس الأعراس الأزهر، الكريم المحضر، مع أشياء كانت تذكر. 

فازداد زوجها غضباً وقال: ما هي تلك الأشياء التي كانت تذكر؟ 

فقالت وهي تعرض به مادة زوجها السباق عروس: كان عيوفاً للخنا والمنكر، طيب النكهة غير أبخر، أيسر غير أعسر، ثم أخذت سفط العطر فكسرته على قبر عروس، 

ثم قالت " لا عطر بعد عروس " فقال زوجها: إلى أهلك فأنت طالق، فقالت: إذن أنصرف مغتبطة.

 
 الأمر الخطير أننا لا نعرف قيمة الأشياء والأمور إلا بعد فقدها وذلك لاطمئناننا أنهم بجانبنا لفترة طويلة وأن ذلك يبسقى دوماً ولكن تأتي الرياح بما لا تشتيهه السفن
صحيح هي المقولة التي تقول ذلك؛ أننا لا ندرك قيمة الأمور إلا بعد فقدانها، ولكن الحقيقة أننا ندرك قيمتها ولكن لم ندرك أو لم نفكر يوماً أننا سنفدها

وما لذة الحياة بعد فقدهم، وكما قالت أسماء العذرية: لا عطر بعد عروس.

المصدر: 
مجمع الأمثال للميداني: 2/211.

مواعيد عرقوب

أجمع العقلاء بمختلف شرائعهم وأعرافهم أن الإيفاء بالمواعيد من أشرف ذوي الأخلاق والمروءة ، وأردأ الأخلاق وآفة المروؤة خلف الوعد

وتقول العرب لمن يخلف وعداً قطعه ؛ مواعيد عرقوب


وعرقوب: رجل من العماليق، وقيل يهودي من يثرب، أتاه أخٌ له يسأله ديناً عنده، فقال له عرقوب: إذا أثمرت هذه النخلة فلك طلعها، فلما أطلعت أتاه للعدة، فقال: دعها حتى تصير بلحاً،

فلما أبلحت قال: دعها حتى تصير زهوا أي: مصفرة أو محمرة، فلما زهت قال: دعها حتى تصير رطباً، فلما أرطبت قال: دعها حتى تصير تمراً،

فلما أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل وجمع تمرها ولم يعط أخاه شيئا.

فصار مثلا في الخلف، وفيه يقول الأشجعي:

وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب

ويروى "بيثرب" وهي مدينة الرسول عله أفضل الصلاة والسلم، ويترب - بالتاء وفتح الراء - موضع قريب من اليمامة، وقال آخر:

وأكذب من عرقوب يترب لهجة ... وأبين شؤما في الحوائج من زحل


وصارت العرب تقول لمن يخلف مواعيده : مواعيد عرقوب

يقول كعب بن زهير في بردته عن محبوبته

كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً ... وما مواعيدها إلا الأباطيل

فليس تنجز ميعاداً إذا وعدت ... |إلا كما يمسك الماء الغرابيل

ويقول آخر: 

أمنجزً أنتمُ وعداً وثقت به ... أم اقتفيتم جميعاً نهج عرقوب.


إذا كنت خلافاَ للوعد فانتبه فإن أحدهم قد يبني حلمه وحياته لمجرد وعد، 


يقول ابو الأسود الدؤلي:

إذا قلت فيّ شيء نعم فأتمّه ... فإن نعم دَين على الحرِّ واجب 

وإلا فقل لا تسترح وترح بها ... لئلا يقول الناس إنك كاذب

ويقول بهاء الدين زهير:

قد طالَ في الوَعْدِ الأمَدْ … والحرُّ ينجزُ ما وعدْ

وَوَعَدْتَني يَوْمَ الخَميـ … ـسِ فلا الخميسُ وَلا الأحدْ

وإذا اقتَضَيتُكَ لم تَزِدْ … عن قَوْلِ إي والله غَدْ


ومن اجمل الابيات الشعرية قول  المثقب العبدي:

لا تَقُولن إذا ما لم تُرِدْ ... أن تُتِمَّ الوعد في شيءٍ نَعَمْ

حَسَنٌ قَوْلُ نَعَمْ مِنْ بَعْدِ لا ... وقَبِيحٌ قولُ لا بعد نعمْ

إن لا بَعْدَ نَعَمْ فاحِشَةٌ ... فبِ لا فابْدأ إذا خِفتَ الندمْ

فإذا قلت نعم فاصبر لها ... بنجاح القول ، إن الخُلْفَ ذَمّْ

واعلم أن الذَّمَّ نَقْصٌ للفتى ... ومن لا يتقِ الذم يُذَمّْ


وتقول حكمة الأقدمين: من لا يحترم وعده لا يحترم نفسه



المصدر

مجمع الأمثال للميداني: 2/311

الجمعة، 1 يناير 2021

جنت على نفسها براقش

تقول العرب لمن أخفق وأضر نفسه بنفسه وألحق الضرر بأهله: جنت على أهلها براقش.


وأصل المثل كما يقول ابن مهران في جمهرة الأمثال: أن براقش كانت كلبة لبيت من البيوت العربية قديماً، وكانت تحرس القرية من اللصوص وقطاع الطرق، فكان إذا جاء غرباء إلى القرية فإنها تنبح عليهم لتعلم أهل القرية بوجودهم،
ولكن ما لا يحمد عقباه وتجري الرياح بما لا تشتهي السفن 

أغار جماعة من قطاع الطرق على قومها وكانوا أكثر منهم، فاختبأ أهل القرية في مغارة خوف الهلاك، وعندما هموا بالانصراف وكما تعودت براقش بالنباح على الغرباء، نبحت على قطاع الطرق، فكشفت عن مخبأ أهل القرية، فجاؤوا إليهم وقتلوهم وقتلوا براقش 
فصارت العرب تقول: جنت على نفسها براقش

وكم من مريد للخير لم ينله


فصارت العرب تقول ذلك  لمن أضر نفسه بنفسه وليتحمل العاقبة والنتيجة: جنت على أهلها براقش


جمهرة الامثال لابن مهران: 2/52.


إياكِ أعني واسمعي يا جارة

 تقول العرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئاً غيره

 عند التعبير بصورة غير مباشرة عما في أذهاننا بحيث يسمعه الشخص دون جرح لمشاعره

ومراعات لقواعد الأدب واللباقة
إياكِ أعني 

لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال


وأول من قال ذلك سهل بن مالك الفزاري، 

وذلك أنه خرج يريد النعمان، فمر ببعض أحياء طيء، فسأل عن سيد الحي، فقيل له: حارثة بن لأم، فأم رحله فلم يصبه شاهدا فقالت له أخته: انزل في الرحب والسعة، فنزل فأكرمته ولاطفته، ثم خرجت من خبائها فرأى أجمل أهل دهرها وأكملهم، وكانت عقيلة قومها وسيدة نسائها، فرقع في نفسه منها شيء،

 فجعل لا يدري كيف يرسل إليها ولا ما يوافقها من ذلك، فجلس بفناء الخباء يوما وهي تسمع كلامه، فجعل ينشد ويقول:

يا أخت خير البدو والحضاره ... كيف ترين في فتى فزاره

أصبح يهوى حرة معطاره ... إياك أعني واسمعي يا جاره

فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت: ماذا بقول ذي عقل أريب، ولا رأي مصيب، ولا أنف نجيب، فأقم ما أقمت مكرما ثم ارتحل متى شئت مسلما، ويقال أجابته نظما فقالت:

إني أقول يا فتى فزاره ... لا أبتغي الزوج ولا الدعاره

ولا فراق أهل هذي الجاره ... فارحل إلى أهلك باستخاره

فاستحيا لفتى وقال: ما أردت منكرا واسوأتاه، قالت: صدقت، فكأنها استحيت من تسرعها إلى تهمته.

فارتحل، فأتى النعمان فحباه وأكرمه، فلما رجع نزل على أخيها، فبينا هو مقيم عندهم تطلعت إليه نفسها، وكان جميلا، فأرسلت إليه أن اخطبني إن كان لك إلي حاجة يوما من الدهر فإني سريعة إلى ما تريد، فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه.

وصار المثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به شيئا غيره، يقولون( إ]اكِ أعني واسمعي يا جاره).


المصدر

مجمع الأمثال للميداني: 1/49.

رجع بخفي حنين

تقول العرب لمن رجع خالي الوفاض خائباً عن هدفه ومصقوده وأضاع جهده وماله ووقته بدون فائدة : رجع بخفي حنين 


كان حُنين من  أهل الحيرة وكان حَذّاءً اسكافياً فجاءه أعرابي ذات يوم ليشتري منه خُفّين. لم يقبل الأعرابي السعر الذي طلبه حنين ثمناً للخفين، وظلّ يساومه لينقص السعر حتى تضايق حنين منه. وبعد نقاش طويل انصرف الأعرابي من غير أن يشتري الخفين. فغضب حنين، وأراد أن يغيظه، وفكر له في خدعة يخدعه بها.

ركب الأعرابي جمله ليعود إلى قومه، فأسرع حنين إلى الطريق الذي سيسلكه الأعرابي فوضع أحد الخفين في وسط الطريق، وسار مسافة ثم ألقى الخفّ الآخر في مكان أبعد قليلاً.

مر الأعرابي بمكان الخفّ الأول، فأمسك بالخفّ ونظر إليه متعجباً 

وقال: ما أشبه الخف بخف حنين الإسكافي! ماذا يفيد هذا الخف وحده ؟! لو كان معه الخف الآخر لأخذتهما.

 ترك الأعرابي الخف، وتابع طريقه حتى وصل إلى الخف الثاني! فنزل من فوق الجمل وأمسك الخف الثاني، وقلّبه في يده

 وقال: يا للعجب! هذا الخف أيضاً يشبه خُفَّ حنين تماماً، يا لسوء الحظ ! لماذا تركت الخف الأول لو أخذته معي، لنفع الخفان. ينبغي أن أرجع فوراً وأُحضر الخُفَّ الأول،

 وكان حُنين يراقب الأعرابي من خلف تلّ قريب لينظر ماذا سيفعل. فلما رآه قد مشى ليحضر الخف الأول أسرع وساق جمله بما عليه من بضاعة واختفى.
وأخذ الجمل بما حمل 

رجع الأعرابي يحمل الخف، ولم يجد لا الجمل ولا متاعه فحمل الخفين ورجع إلى أهله.

تعجب القوم عندما رأوا صاحبهم يرجع إليهم ماشياً على رجليه وليس راكباً على جمله بيده الحذاء، فسألوه: ما الخبر، وبماذا جئت من سفرك؟

فأجابهم: جئتكم بخفي حُنين، وأراهم الخفين. وصار العرب يقولون إذا عاد المرأ عن هدفه خائباً خالي الوفاض بعد إضاعة جهه ووقته: رجع بخُفّي حُنين.


المصدر

مجمع الامثال للميداني: 1/296.

عذرٌ أقبحُ من ذنب

 يقول الرواة :

أن: هارون الرشيد:  طلب من الشاعر ( أبي نواس ) وهو يسامره ذات ليلة أن يعطيه مثالاً يوضح كيف يمكن للمرء أن يعتذر عن ذنب ارتكبه بما هو أقبح من الذنب نفسه !!

فوعده ( أبو نواس ) أن يعطيه هذا المثال على أن يمهله بضعة أيام ،

وبعد أن مرت عدة أيام :

رأى ( أبو نواس ) الخليفة ( هارون الرشيد ) واقفاً عند نافذة يتأمل جمال الحديقة أمام قصره ،

فاقترب منه بخفة وغافله وضربه بلطف على قفاه .

فالتفت إليه ( هارون الرشيد ) ويده على مقبض سيفه ، وقال له غاضباً :

- ويل أمك ... كيف تجسر على فعل ما فعلت ؟؟

فقال: ( أبو نواس ) :

- لا تغضب يا مولاي ... فقد ظننتك سيدتي زينب !!

فاستشاط ( هارون الرشيد ) غضباً وقال: 

- ويلك أيها الفاسق القبيح ... وهل تجسر على أن تفعل مثل ذلك مع سيدتك ؟؟

فرد عليه ( أبو نواس ) قائلاً :

- يا مولاي ... هذا هو المثال الذي طلبته مني على العذر الذي يكون أقبح من الذنب .

فضحك ( هارون الرشيد ) وعفا عنه.


يقول الشاعر

وكم مذنب لما أتى باعتذاره ... جنى عذره ذنبا من الذنب أعظم

ما أشبه الليلة بالبارحة

 ما أشبه الليلة بالبارحة" مقولة شهير يرددها الكثير منا على لسانه لاسيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الأراء والمبادئ، وله...