الجمعة، 25 ديسمبر 2020

من أشبه أباه فما ظلم

 مشى الطاوس يوماً باختيالٍ ... فقلد شكل مشيته بنوه

فقال على ما تختالون؟ قالوا ... لقد بدأت ونحن مقلدوه

فخالف سيرك المعوج واعدل ... فإنا إن عدلت معدلوه

أما تدري أبانا كل فرع ... يجاري بالخطى من أدبوه

وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه


عادت حليمة لعادتها القديمة

والمثل لزوجة حاتم الطائي يُقال حليمة:

و حاتم الطائي الذي اشتهر بالكرم كما اشتهرت زوجته حليمة بالبخل . كانت إذا أرادت ان تضع سمناً في الطبخ واخذت الملعقة ترتجف في يدها . فاراد حاتم ان يعلمها الكرم فقال لها:

أن الاقدمين كانوا يقولون ان المراة كلما وضعت ملعقة من السمن في طنجرة(حلة) الطبخ زاد الله بعمرها يوماً.فأخذت حليمة تزيد ملاعق السمن في الطبخ حتى صار طعامها طيباً وتعودت يدها على السخاء ... وشاء الله ان يفجعها بابنها الوحيد الذي كانت تحبه اكثر من نفسها .... فجزعت حتى تمنت الموت...

واخذت لذلك تقلل من وضع السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت

فقال الناس ...

"عادت حليمة الى عادتها القديمة" 

يداك أوكتا وفوك نفخ

 يداك أوكتا وفوك نفخ

أي يداك هي التي شددت،

 وأوكتا: رأس القربة، 

وفوك نفخ: أي هو الذي نفخ  

وزعموا أن قوماً كانوا في جزيرة من جزائر البحر في الدهر الأول، ودونها خليج من البحر، فأتاها قوم يريدون أن يعبروها فلم يجدوا معبرا، فجعلوا ينفخون أسقيتهم ثم يعبرون عليها، فعمد رجل منهم فأقلّ النفخ وأضعف الربط، فلما توسط الماء جعلت الريح تخرج حتى لم يبق في السقاء شيء، وغشيه الموت فنادى رجلا من أصحابه أن يا فلان إني قد هلكت. فقال:

ما ذنبي يداك أوكتا وفوك نفخ  فذهب قوله مثلا.

أو كيت رأس السقاء إذا شددته، وقال بعض الشعراء:

دعاؤك حذر البحر أنت نفخته ... بفيك وأوكته يداك لتسبحا


المصدر
أمثال العرب لابن يعلى: ص77.

عند الصباح يحمد القوم السرى

تضرب مثلاً للرجل يحتمل المشقة ويصبر ليحمد العاقبة ويفرح بها ، فعند الصباح يحمد الرجل ما قدم وصبر، فتقول العرب : وعند الصباح يحمد القوم السرى

 وقائلها خالد بن الوليد رضي الله عنه

حيث أمره أبوبكر رضي الله عنه المسير إلى العراق لمساند جيش المسلمين في وقعة اليرموك، وكان  باليمامة، فأراد خالد أن يسلك طريقاً مختصرا في الصحراء، فقال له رافع بن عمرو الطائي، قد سكلتها وإنه لعصب مرورها بالجيش، إذ تحتاج لخمسة أيام وليس فيها ماء

فأمر خالد أن تسقى الإبل الماء وشد أفواهها، حتى مضى يومان وخاف الناس الهلاك، أمر بنحر الإبل وشرب الماء ومضى الجيش،

فلما كان في الليلة الرابعة

قال خالد لرافع ما الخبر، فقال رافع انظروا في الطريق فإذا رأينا سدراً أي عظاماً فهو النجاة وإلا فهو الهلاك،

فمشوا ورأوا السدر فأخبره، فكبر وكبر الناس معه ودلهم على الماء وشربوا

فقال خالد:

لله در رافعٍ أنا اهتدى ... فوز من قرار إلى سرى

خمساً إذا سار به الجيش بكى ... ما سارها من قبله إنس يرى

عند الصباح يحمد القوم السرى ... وتنجلي عنهم غيابات الكرى.

السرى أي: المشي بالليل

والمعنى أن الذي يمشي بالليل يفرح بمسيره إذا طلع النهار، بخلاف الذي ينام ليله، فإنه يندم إذا طلع النهار.

يقول المتنبي:

بقدر الكد تكسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي

ومن طلب العلى بغير كدٍ ...أضاع العمر في طلب المحالِ


وقال أحمد شوقي:

وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

وما أستعصى على قوم منال ... إذا الإقدام كان لهم ركابا


وقال خليل مطران :

إعزم وكد فإن مضيت فلا تقف... وأصبر وثابر فالنجاح محقق

ليس الموفق من تواتيه المنى ... لكن من رزق الثبات موفق


المصدر: 

فصل المقال في شرح كتاب الأمثال للبكري: ص334.



وعند جهينة الخبر اليقين

مثل يضرب عن الحقيقة يعرفها رجل معرفة اليقين، فيقولون: وعند جهينة الخبر اليقين، 

وهو شطر بيت يقول فيه الأخنس: تسائل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين

 والاخنس بن كعب الجهني من جهينة
صحب رجلا يقال له الحصين بن عمرو
فتفقا أن يسرقا وكان كل منهما فتاكاً يحذر الآخر: 
فقابلاه جلا من قبيلة لخم فرحب بهما وأكرمهما 
فأراد الحصين قتل اللخمي وسرقته، فنهاه الأخنس الجهيني وخرج لحاجته، فرجع وقد قتل الحصين الرجل اللخمي فلامه الأخنس الجهيني أن للطعام حرمه، وخاف منه الغدر فعمد الأخنس وقتل الحصين بن عمرو. ومشى في حاله.

وكان للحصين أختاً تسمى صخرة ، فكانت تبحث وتسأل عنه بين قبائل العرب، حتى رآها الأخنس بن كعب الجهيني وهي تسأل عن أخيها الحصين:

فأنشد يقول:

كصخرة إذ تساءل في مراح .. وفي لخم وعلمهما ظنون
تُساءل عن حصين كل ركب ... وعند جهينة الخبر اليقين

أي عنده الخبر اليقين عن الحصين.

وقيل أ،ه اعترف بقتله له
وأنشد يقول ومن يك سائلاً عنه أي عن الحصين فعندي ... لصاحبه البيان المستبين.


المصدر

مجمع الأمثال للميداني: 2/3.

ابشر بطول سلامة يا مربع

إذا أرادت العرب أن تتهكم بأحد لضعفه في تنفيذ وعيده، تقول: أبشر بطول سلامة يا مربع، أي: لا تخف فإنه لن يصير لك شيء. 

ومربع هو الذي كان يروي شعر جرير، 

وجرير والفرزدق كان بينهما معارك شعرية سميت بالنقائض ، وكان كل يترقب سقطات الآخر لأربعين سنة، وهما من بني تميم، إلا أن الفرزدق من فخذ أرفع من جرير، ولكن جريراً سبق الفرزدق بشعره ولسانه.

فوقعت بين مربع وبين أب الفرزدق مشاحنة فدفع مربع أب الفرزدق، فأصيب بوعكة مرضية، فتوعد الفرزدق مربعاً،

 فقال الفرزدق لمربع: إن مات أبي لأقتلنك، وهو تهديد ضعيف.

فلما وصل التهديد إلأى مسامع جرير، فقال جرير قصيدة يقول فيها: 

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ... أبشر بطولا سلامة يا مربع.

ورأيت نبلك يا فرزدق قصرت ... ورأيت قوسك ليس فيها منزع . 

الاثنين، 21 ديسمبر 2020

وبأحسنت لا يباع الدقيق

ومعناه أن الجائزة والثواب لا يكون بالقول لمن ينتظر الجزاء، بل المقابل يكون ملموساً محسوساً مأكولاً 😅

ويحكى أن رجلاً بخيلا كان يأكل، فأتاه رجلاً وسلم عليه، فرد عليه البخيل السلام، وقال البخيل للرجل تفضل 🤔

فجلس الرجل يريد الأكل، فقال له البخيل قم لا بارك الله فيك 😠

قال ولمه وقد دعوتني، 😏

فقال البخيل: أنت قلت السلام عليكم وأنا قلت وعليكم السلام
وقلت لك تفضل وانت تقول شكرا 🤭😏
قولا بقول لا قولا بفعل .. 🤪😜


ونرجع إلى موضوعنا فقد ذهب شاعر إلى مجلس الأمير يرجو نيل مناه ببعض الدراهم جزاء شعره ومدحه

فكان كلما قال شعراً قال الـأمير بين جواريه المرصعة بالذهب: أحسنت

فقال الشاعر: 

كلما قلت قولا قال: أحسنت زدني ... وبأحسنت لا يباع الدقيق.


وقد مدح ابن الرومي أميراً فبخل في عطائه، فقال ابن الرومي:

مدحتُكُم طمعاً فيما أؤمِّلُهُ ... فلم أنل غيرَ حظِّ الإثمِ والوصَبِ

إن لم تكن صلةٌ منكم لذي أدبٍ ...فأجرة الخط أو كفارةُ الكذبِ ..



ومن شعر ابن الرومي

وزهدني في الناس طول معرفتي بهم

وطول اخياري صاحباً بعد صاحبِ

فلم ترني الأيام خلاً يسرني 

بودايه إلا ساءني في العواقب

ولا صرت أدعوه لدفع ملمة

من الدهر إلا كان إحدى النوائب.

الأحد، 20 ديسمبر 2020

أحشفاً وسوء كيلة

 أحشفاً وسوء كيلة؟. أي: أتجمع بين الفساد في السّلعة، والبخس في الكيل.

وكان أصله إنَّ رجلاً اشترى تمرا من عند آخر فأتاه بتمر رديء، ثم أساء له الكيل مع ذلك

والكيلة ضرب من الكيل، والحشف ردئ التمر

يقول تعطي الحشف وتسيء الكيل وقال بعض الشعراء

(إن كنت لا تلطفيني فاقبلي لطفي ... لا تجمعي لي سوء الكيل والحشفا)

ومثله قولهم: أكسفاً وإمساكاً، يضرب مثلا لجمعك على الرجل ضربين من الخسران ونوعين من النقصان

 أصله أن يلقاك بعبوس مع بخل والبشر الحسن إحدى العطيتين

ومن هذا قولهم: أغيرةً وجبناً! قالته امرأة من العرب تعير زوجها، وكان تخلف عن عدوه في منزله فرآها تنظر إلى قتال الناس، فضربها، فأجابته بهذه المقالة


وقال الأصمعي: قال المنصور لرجل من أهل الشام: أحمد الله يا أعرابي الذي دفع عنكم الطاعون بولايتنا. فقال إن الله لا يجمع علينا حشفا وسوء كيل، ولايتكم والطاعون.

جمهرة الأمثال لابن مهران: 1/101.

إذا قالت حذام قولاً فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام

يضرب هذا المثل في الحكمة والقول السديد، وتعبر عن بعد النظر والبصيرة بخفي الأمور، ومعنى كلمة حذام من حذم الشيء أي قطعه، والشخص الحازم هو الصارم ذو الرأي القاطع .


 وحذامي بنت الريان بن خسر بن تميم زوجة لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ،  وكان زوجها لجيم يثق في حدسها وقوة إدراكها .

 فيحكى أن عاطس بن جلاح بن الحميري وقعت بينه وبين قومها الريان فتنة، والريان قوم حذامي.

فسار الحميري إلى الريان في جموع من العرب : خثعم وجعفي وهمدان، فلقيهم الريان في عشرين حياً من أحياء ربيعة ومضر، فاقتتلوا قتلاً شديداً

 ثم إن الحميري رجع إلى معسكره، وهرب الريان تحت ليلته، فسار ليلته وفي الغد، ونزل الليلة الثانية، فلما أصبح عاطس الحميري ورأى خلاء معسكرهم أتبعهم جملةً من حماة رجاله، فجدوا في اتباعهم.

فانتبه القطا وهو نوع من أنواع الطيور في اسرائهم من وقع دوابهم، فمرت على الريان وأصحابه عرفاً عرفاً، فلما رأتها حذام بنت الريان خرجت إلى قومها فقالت:

ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا ... فلو ترك القطا ليلاً لناما 

فقال زوجها لجيم وكان يثق في حدسها:

إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام

 فارتحلوا حتى اعتصموا بالجبل، ويئس منهم أصحاب عاطس فرجعوا عنهم، ونجا الريان وقومه بسبب ذكاء ودهاء حذام بنت الريان، وصار مثلاً عند العرب في التصديق، وكأنها زرقاء اليمامة

والعبرة من المثل أن يقال هذا فيمن نثق في صحة رأيهم، ونرى أن قولهم هو القول الفصل؛ لما لهم من رجاحة في العقل، والفطنة، فكل مبصر للأمور، هو حذام، وكل صادق في الحدس هو حذام، وكل سديد في القول.


المصدر:

- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال للبكري: ص42.

الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

من شبَّ على شيء شاب عليه

من شب على شيء شاب عليه

يقول بعضهم أن المثل يساند ويعزز قانون الحتمية الذي يعمل به البطالون والكسالى ومقاوموا التغيير، ويبررون تقاعسهم بأنهم قد نشأوا على تلك الحال! فإذا ما دعوته نحو التغيير والتجديد أو تغيير إحدى عاداته السيئة، برر بأنه نشأ على هذا واعتذر بهذا بقوله من شب على شيء شاب عليه.

 إذ أن فئة من الناس أثرَّت تلك القاعدة في حياتها تأثيراً بالغاً، فترى حليبهُ الذي رَضِعهُ أسود لا أبيض،  شب على ضعفِ الهمّة ومحدوديَة التفكير، وتوقُع الأسوأ من الحياة.

يتمثل لقول الشاعر

وكل إلى طبعه عائد ... وإن صده المنع عن قصده

كذا الماء من بعد اسخانه ... يعود سريعاً إلى برده

يسعى جاهداً لنشر أسوأ ما يعتقدهُ عن الحياة إذ يعتقدُ أنّ الحياة غير مُنصفة، حتى لو دخل الطيبون عالمه لا يتأثر، لا يتغير، ولا يتعلم، حتى لو أو أسقطته الظروف أرضاً يعتقدُ أن طريقة حياته صحيحة وأن حلوله الدائمة مثالية.

شبّ على أنهُ الأفضل دائماً وما يملكهُ الأفضل دائماً، فتراهُ لا يمنحُ نفسهُ فُرصةً ليتغيّر نحو الأفضل أو يتعلم ليكون أفضل.


يقول الشاعر: 

مشى الطاوس يوماً باختيالٍ ... فقلد شكل مشيته بنوه

فقال على ما تختالون؟ قالوا ... لقد بدأت ونحن مقلدوه

فخالف سيرك المعوج واعدل ... فإنا إن عدلت معدلوه

أما تدري أبانا كل فرع ... يجاري بالخطى من أدبوه

وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه


إلا أن معنى المثل يفوق هذه النظرة فكثيراَ من الناس تجاوزوا قواعد تربيتهم الخاطئة أو ما شبّت عليه نفوسهم وطمحوا للتغيير والتحسين في أنفُسهِم.

حين وعو أن معنى «من شَبَّ على شيءٍ شابَ عليه»: من علّم نفسهُ وبدأ بتطويرها وتهذيبها وعلّمها وآتاها من طيباتِ ما في الأرض من خيرٍ وعِلمٍ ومعرفة شابَ على ذلك، وكبُر على ذلك، وصار لعُمرهِ معنىً ولحياته استمرارية ولمن حولهِ نفعاً وخيراً.

ومن ظنّ أنّ قطار شبابه قد فاتهُ على تغيير ما ينبغي تغييره من معتقدات وأفكار وأساليب وتربية، فهي فرصة للتغير فهو الذي يملك زمام أمره، ولا يزال الله يُعطي عباده الذين يسعون ويبحثون ويعملون، فقد لا يكون الخير في أول عُمُرك، بل في آخره.

القانون لا يحمي الغافلين ويحمي المغفلين

دائما ما نسمع ذلك المثل الشعبي، خاصة في قضايا النصب والاحتيال التي لا يستطيع أن يثبت فيها المجني عليه أمام رجال الأمن والمحكمة الاثباتات التي تدين المتهم، فيقولون: القانون لا يحمي المغفلين

وقصة هذ المثل هي: رجل أمريكي كان يعاني هو وعائلته من الفقر، ولأن الحاجة أم الاختراع ذات يوم خطرت في باله فكرة تنتشله من حالته وللأحسن، ولأن الفشل هو أن تظل في الفشل، قرر المحاولة لأ، المحاولة هي الفارق بين الناجح والفاشل،

قرر الرجل الأمريكي أن ينشر في الصحف الأمريكية إعلاناً بعنوان « أذا أردت أن تكون ثرياً بدولار واحد.. فأرسل فقط دولاراً واحداً على صندوق بريد رقم ( وكتب صندق بريده) وسوف تكون ثرياً».

 وكعادة البشر صدقوا هذه الكذبة، أو تساهلوا في تكذيبها، فبدأ كثير من الناس بإرسال دولاراً واحداً على صندوق بريده سعياً في الحصول على الثراء الموعود، خصوصاً أن دولاراً واحداً غير مكلف بالنسبة للشخص العادي.

  ولكن مكر هذا الرجل في الحصول على الثراء من وراء دولار واحد فقط سهل العملية وجعلها تسير كما يريد فهو ليس سوى مبلغ يسير جداً.

 وبعد فترة حصل الرجل على مبتغاه، وجنى الملايين من الدولارات من المرسلين، فأصبح من أكبر الأثرياء.


وبعدها نشر إعلانا آخر بعد حصوله على الملايين يحمل عنوان «هكذا تصبح ثريا»، موضحاً فيه الطريقة التي اتبعها في الحصول على الملايين.

  فاعترض الناس على تصرفه هذا، ورفعوا عليه قضية في المحاكم يتهموه بالنصب والاحتيال، ولكن جاء رد المحكمة عليهم بالمقولة الشهيرة التي تنصف ذكاء الرجل صاحب هذه العقلية «القانون لا يحمي المغفلين».

 

والمقولة أن القانون لا يحمي المغفلين عبارة خاطئة يتداولها الناس دون علم، وحقيقة الأمر أن القانون يحمي المغفلين ولا يحمي الغافلين.

والغافل هو الذي يدعي عدم المعرفة أو الجهل بالقانون عملاً بمبدأ قانوني: مستقر عليه أنه لا يعذر أحد بجهله بالقانون.

فالقانون وضع لحماية المغفلين والمغيبين وعديمي وناقصي الأهلية وذوي الغفلة والعته ومعيوبي الإرادة وغيرهم.


الأحد، 13 ديسمبر 2020

لا ناقةَ لي فيها ولا جمل

أصل المثل للحارث بن عباد حين قتل جساسُ بنُ مرة كليباً وهاجت الحرب بين الفرقين، وكان الحارث اعتزلها، وقال لا ناقة لي فيها ولا جمل 
لأن الحرب سببها ناقة البسوس حينما دخلت حمى كليباً فداست بقدمها بيض طائر يقال له قنبراً وقد كان كليباً أجاره، فرمى ضرع الناقة فماتت، فقتله كليباً، فقامت الحرب بينهم أربعين عاماً
وقد اعتزلها الحارث بن عباد إذ قال لا ناقة لي فيه ولا جمل .

 قال الراعى:

وما هجرتك حتى قلت معلنة ... لا ناقة لي في هذا ولا جمل

 وقال بعضهم: إن أول من قال ذلك الصدوف بنت حليس العذرية

 وكان من شأنها أنها كانت عند زيد بن الأخنس العذري، وكان لزيد بنت من غيرها يقال لها الفارعة، 

وإن زيدا عزل ابنته عن امرأته في خباء لها، وأخدمها خادما، 

وخرج زيد إلى الشام، وإن رجلا من عذرة يقال له شبث هويها وهويته، ولم يزل بها حتى طاوعته، فكانت تأمر راعى أبيها أن يعجل ترويح إبله، وأن يحلب لها حلبة إبلها قيلا، فتشرب اللبن نهارا، حتى إذا أمست وهدأ الحي رحل لها جمل كان لأبيها ذلول فقعدت عليه وانطلقا حتى كانا ينتهيان إلى متيهة من الأرض فيكونان بها ليلتهما، ثم يقبلان في وجه الصبح، فكان ذلك دأبهما

 فلما فصل أبوها من الشأم مر بكاهنة على طريقه، فسألها عن أهله، فنظرت له ثم قالت: أرى جملك يرحل ليلا، وحلبة تحلب إبلك قيلا، وأرى نعما وخيلا، فلا لبث، فقد كان حدث، بآل شيث

 فأقبل زيد لا يلوى على شيء حتى أتى أهله ليلا، فدخل على امرأته وخرج من عندها مسرعا حتى دخل خباء ابنته، فإذا هي ليست فيه، فقال لخادمها: أين الفارعة ثكلتك أمك؟ قالت: خرجت تمشى وهى حرود، زائرة تعود، لم تر بعدك شمسا، ولا شهدت عرسا، 

فانفتل عنها إلى امرأته، فلما رأته عرفت الشر في وجهه، فقالت: يازيد، لا تعجل واقف الأثر فلا ناقة لي في هذا ولا جمل، فهي أول من قال ذلك.


المصدر:

- مجمع الأمثال للميداني: 2/220.

خلا لك الجوُّ فبيضي وأصفري

 خلا لك الجوّ فبيضي واصفري. أي ذهب ما تحذرين فاسرحي وانبسطي

 قيل أن هذ المثل ل  كليب بن ربيعة وهو كليب وائل، كان له حمى لا يقرب، فباضت فيه قبرة فأجارها، وقال يخاطبها :

يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري

 ونقري ما شئت أن تنقري ... وإنما يصفر الطائر ويتغنى في الخصب

فدخلت ناقة البسوس الحمى، فوطئت بيض الحمرة، فكسرتها،  فرمى كليب ضرعها، فقتل جساس  كليباً على إثر ذلك، وهاجت من أجلها حرب البسوس، وظلت بين ابني وائل أربعين عاما.


وقيل أول من قال ذلك هو: طَرَفَة بن العبد الشاعر، وذلك أنه كان مع عمه في سَفَر وهو صبي، فنزلوا على ماء، فذهب طَرَفة بفُخَيخ له فنصبه للقَنَابر، وبقي عامةَ يومه فلم يَصِدْ شيئاً ثم حمل فخه ورجع إلى عمه وتحملوا من ذلك المكان، فرأى القنابر يَلْقطْنَ ما نثر لهن من الحبِّ، فقال:

يا لك من قنبَرَةٍ بمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ الجوُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي

وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أن تُنَقِّرِي ... قَدْ رَحَلَ الصيادُ عنك فابْشِرِي

وَرُفِعَ الفَخُّ فمَاذَا تَحْذَرِي ... لا بُدَّ من صيدك يوماُ فاصْبِرِي



المصدر:

- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال للبكري: 364.

- مجمع الأمثال للميداني: 1/239.

- زهر الأكم لليوسي: 2/199.

السبت، 12 ديسمبر 2020

أمرٌ دُبِّرَ بليل

بعد الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين والذي استمر ثلاث سنوات، ابتتدءا من السنة السابعة من البعثة

 قام في نقض تلك الصحيفة نفر من قريش، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة.

 وكان هشام لبني هاشم واصلا، وكان ذا شرف في قومه، فكان  يأتي بالبعير، وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا قد أوقره طعاما، حتى إذا بلغ به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ثم ضرب على جنبيه، فدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا فيفعل به مثل ذلك.


 ثم أنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب.

فقال: يا زهير، أقد رضيت أن تأكل الطعام، وتلبس الثياب، وتنكح النساء، وأخوالك حيث علمت لا يباعون ولا يبتاع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم؟ أما إني أحلف بالله لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم، ما أجابك إليه أبدا.

قال: ويحك يا هشام! فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها.

قال قد وجدت رجلا، قال من هو؟ قال: أنا 
قال له زهير: أبغنا ثالثا، فذهب إلى المطعم بن عدي فقال له: يا مطعم، أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف، وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه، أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها منكم سراعا، 
قال: ويحك فماذا أصنع؟ إنما أنا رجل واحد، قال قد وجدت لك ثانيا.
قال من؟ قال أنا، 
قال أبغنا ثالثا قال قد فعلت.
قال من هو؟ قال زهير بن أبي أمية.
قال أبغنا رابعا، فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فقال له نحو ما قال للمطعم بن عدي، فقال وهل تجد أحدا يعين على هذا؟ قال نعم! قال: من هو؟ قال: زهير بن أبي أمية والمطعم بن عدي وأنا معك.
قال أبغنا خامسا.
فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، فكلمه، وذكر له قرابتهم وحقهم، فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟ قال: نعم ثم سمى القوم.
فاتعدوا خطم الحجون ليلا بأعلا مكة فاجتمعوا هنالك، وأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها.
وقال زهير: أنا أبدؤكم، فأكون أول من يتكلم.

فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا ثم أقبل على الناس.
فقال: يا أهل مكة
أنأكل الطعام ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى لا يبتاعون ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة.

قال أبو جهل - وكان في ناحية المسجد - والله لا تشق.
قال: زمعة بن الأسود أنت والله أكذب، ما رضينا كتابها حين كتبت.
قال أبو البختري: صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به.
قال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها، ومما كتب فيها.
قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك.

قال أبو جهل: هذا أمر قد قضي بليل، تشور فيه بغير هذا المكان، 
قال : وأبو طالب جالس في ناحية المسجد وقام المطعم بن عدي إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا " باسمك اللهم ".

توفي في الحصار عم النبي صلى الله عليه ابو طالب وزجه الرضية المرضية خديجة بنت خويلد
وسمي هذا العام بعام الحزن.

المصدر:
- البداية والنهاية : 3/120.
المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
المحقق: علي شيري
الناشر: دار إحياء التراث العربي
الطبعة: الأولى 1408، هـ

قصيدة دفاعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا ادري من قائلها:

اليوم زادوا في الفجور تعنتا .. سبّوا الرسول بصورة خرساء
لتكاد تنطق من عظيم رسومهم .. (أن برئوني من أذى السفهاء)
أمحمد يهجونه بحماقة؟! بل إنهم حمقى.. بلا استثناء
أما الرسول.. فقد تميز حكمة .. في قوله ..وبفعله البناء
أمحمد دموي؟! تبا لكم .. فهو الرحوم على مدى الأمداء
رحم البعير إذا اشتكى من كَلِّه.. رحم الفراخ..نهى عن الإيذاء
بل شوهوا.. وجه النبي محمدا .. شاهت وجوهكم بكل بلاء
فمحمد كالبدر.. نور ساطع .. كالماء صاف..بل كما اللألاء
(حرية التعبير) كان شعارهم .. وشعارنا (لن نرضى باستهزاء )
(ولد الهدى فالكائنات ضياء) .. حقا مقولة سيد الشعراء
فهو الهدى.. وهو الضياء بنوره ..يمحو ظلام العار والفحشاء
أزكى رسول ..بل وأندى من عطى ..وخليل رب الناس في العلياء
الجذع حنّ إليه..بل وحجارة .. ما مر إلا سلمت بصفاء
هذا اليتم ..أتى.. فأنقذ أمة .. تاهت وضلت في دجى الظلماء
هذا الطريد..على يديه تآلفت .. شتى القلوب..بألفة وإخاء
هذا الحليم ..إذا الجهول تطاولت ..يده ..فجرّ..رسولنا برداء
هذا البليغ..(محمد) بفصاحة ..عظمى ..ولم يقرأ بحروف هجاء
هذا الذي ما قال يوما حكمة .. إلا استفاق الكون وسط ضياء
صلى عليه الله في عليائه .. وله شفاعته بيوم جزاء
بالله ..كيف أطعتموا شيطانكم؟! .. ورسمتموه بصورة شوهاء
دمكم حلال سفكه..ومحمد ... فخر لنا ..نفديه في خيلاء
آبائنا..أولادنا ..أعراضنا ... تفديه في حب بكل نقاء

أهل مكة أدرى بشعابها، وصاحب البيت بالذي فيه

 (أهلُ مكةَ أدرى بشعابها) وصاحب البيت أدرى بالذي فيه


هذا مثل عربي قديم وهو مثل شائع إلى اليوم عند جميع الناس .

ومكةَ المكرمةَ شرفها الله تعالى تحيطها الجبال من جميع الجهات بل هي واقعةٌ في وسط الجبال وكان العرب من قديم العصور يسكنون حولَ الكعبة بين شعاب هذه الجبال وما اكثر هذه الشعاب 

و الغريب في مكة لا يعرف مساكن العرب بين هذه الشعاب .. وإذا مشى وحدَه بين هذه الجبال الكثيرة ضلّ وانقطع وهلك من العطش والجوع .. أمّا العربي من أهلِ مكةَ فهو لايضلُّ فيها لمعرفته بشعابها ومسالكها .. بل إنّ بهائمهم من الغنم والجمال إذا ذهبت الى المرعى في هذه الجبال لَتعرف كيف تعود وحدها بدون راعٍ إلى منازلها ومرابضها.

والأمر ليس محصوراً على مكة فهي مثال ليس إلا فأهل كل بلد أدرى بالذي فيه، كصاحب البيت أدرى بالذي فيها

وهذا يقودنا إلى تخصص المرأ، فليس من تخصص كمن تلصص
ومن تكلم بغير فنه أتى بالعجائب،

فما ازدهرت الحضارات إلا بمتخصصيها، وليس بمتلصصيها.

وما أفسدها إالا المتطفلين على موائد المتخصصين.

رُبَّ كلمة قالت لصاحبها دعني

بَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِصَاحِبِهَا دَعْنِي.


يضرب في النهي عن الإكثار مخافة أن تودي به الكلمة إلى ما لا حمد عقباه.

وذكروا أن ملكاً من ملوك حِمْيَر خرج مُتَصَيِّداً معه نديم له كان يُقَرِّبه ويكرمه،

 فأشرفا على صخرة مَلْساء ووقَف عليها،

 فقال له النديم: لو أن إنسانا ذُبِحَ على هذه الصخرة إلى أين يبلغ دمه؟

 فقال الملك: اذبحوه عليها ليرى دمه أين يبلغ، فذبح عليها، فقال الملكرُبَّ كَلِمَةٍ تَقُولُ لِصَاحِبِهَا دَعْنِي.

وصار يضرب في النهي عن الإكثار مخافة الإهجار.


المصدر: مجمع الامثال للميداني: 1/306


يقول الشاعر:

يُصاب الفتى من عثرة بلسانـــــــه          وليس يُصاب المرء من عثرةِ الرِّجل

فعثرته في القول تُذهب رأســـه      وعثرتُه بالرِّجل تبرأ  على مهل

ومثل هذا: الكلمة ملكك فإن خرجت ملكتك،ولا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه.

يقول الشافعي:

إذا رمت أن تحيا سليماً من الردى **** ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ لسانك لا تذكر به عورة امرئ **** فكلك عورات وللناس ألسن وعيناك إن أبدت إليك معايباً **** فدعها وقل يا عين للناس أعين



ويقول الشاعر أحمد غنيم:

أشــــد مـــــن الأســنــــة والــطــعـــان 

حــصـــاد الــمـــرء من شــر اللسان ...

فــكــــم مــن لــفــظة نشــبـــتْ حـروبا 

أطـــــاحت بالــــفـــوارس والظعـــان ...

وكــــم مـــن قــــائـــــل أودى قـــتـــيلا 

لـــســــــوء فـــــي الـــتـّـلفظ والبيان ...

ألا فـاحــظـــــرْ كــــلامـــــا ليس يجدي

وقــــــولــك عــــن فـــلانٍ أو فـــلان ...

ألا واعـــلــــــم بــــأن الــصــمت تــاج 

لـــــلآلأه مـــشـــــابـــهــة الــجـمـان ...

يـــزيـــد الـــمـــرء في الأحـــداق قدرا 

ويــــرفـــعـــــه إلـــي أعلـــى مــكان ...

تجـــنــــب صحـــبـــة الـسفــهاء ترقى 

وإلا ســــوف تــــبـقـــى فـــي هوان ...

ولا تـــنــــسى الـــتــضــرع في خضوعٍ 

همــا ســهــما الخـــلاص بـــلا سنان ...

ومن عــــــاش الحـــيــــاة بــلا خشوع 

كــــأن العـــمــــــر بـــاق غـــير فان ... 

تــــجـــرع مــــن خــــريـــف العمر ذلا 

جـــلـــيــــا للأقــــــــــــارب الـعـيـان ...

لــســـانـــك خـــنــجر لو صـاب عرضا 

وظــنـــك أن عــــرضــــك فـي أمان ...

خـُـــدِعتَ بــقــــول شـــر لـيــــس يفنى

وعـــرضــــك للـــخـــنـاجر غير ثان .....


ويقول :

ولست بمبدٍ للرجال سريرتي   ولا أنا عن أسرارهم بسؤول

ويقول:

كل علم ليس في القرطاس ضاع      كل سرٍ جاوز الاثنينِ شاع

الجمعة، 11 ديسمبر 2020

رب رمية من غير رام

 فيقال إن الحكم بن يغوث المنقري

 كان في الجاهلية أرمى أهل زمانه، فهو ما رمى هدفاً إلا أصابه.

وحصل أن استيقظ المنقري يوماً فوقع نظره على ( الغبغب ) وهو اسم لصنم يعبده،

 فحلف يميناً قائلا: لقد آليت على نفسي يميناً لأدجن على «الغبغب» مهاة، والمقصود هنا بأن يذبح مهاة قربانا لصنمه.

 فخرج الحكم حاملاً قوسه وكنانته، قاصداً بغيته في أمر هو عليه هين كعادته في الصيد.

فمرت أمامه مهاة فشد قوسه نحوها، ولكنه لم يصبها، وهربت منه، وحاول في ذلك اليوم مع غيرها فلم يفز بأي منها،

 فرجع كئيبا حزينا، وبات ليلته على ذلك، فهو لم يحقق ما آل على نفسه من يمين. 

فلما أصبح الصباح خرج المنقري الى قومه وقال: ما أنتم صانعون، فإني قاتل نفسي اليوم إن لم أدجها، قاصدا إن لم أذبحها؟

 فقال له أخوه الحصين: يا أخي دج مكانها عشراً من الأبل قرباناً لصنمك، قاصداً حتى يكفر بها عن يمينه.

 فقال الحكم: لا واللات والعزى، لا أظلم عاترة، وأترك النافرة.

 ولا خير فيني إن لم أوفي بوعدي بذبح المهاة لأقدمها الى صنمي ( الغبغب )، فإني أخشى أن يصيبني منه سوء.

 عندها قال له ابنه المطعم بن الحكم، وهو بعد غلام: يا أبت، احملني معك أرفدك وأعينك.

 فرد الحكم ساخراً: وما أحمل من رعش وهل ضعيف وجبان، وهل ستصيد ما عجزت أنا عنه؟ 

فضحك المطعم، وقال: إن لم تر أوداجها تخالط أمشاجها فاجعلني وداجها، أي قرباناً لصنمك بدلاً عنها.

 فانطلق الحكم وابنه طلباً لصيدهما، فإذا هما بمهاة، فرماها الحكم فأخطأها، ثم مرت به أخرى فرماها فأخطأها.

 فقال مطعم: يا أبت، أعطني القوس، فأعطاه إياها، فشد قوسه نحو المهاة وأصابها، فقال له أبوه: ( رب رمية من غير رامٍ ). 

والحقيقة أن الانسان قد يحالفه الحظ من دون قصد، فيصيب له أمر كان مكتوباً، سواء أكان خيراً أم شراً.

وكان عليه أن يشكر ابنه بدلا من أن يتهكم عليه، وهذه رسالة للآباء والمعلمون والمربون أن التعزيز الإيجابي والتغذية الراجعة هي من أكبر أسباب التربية الناجحة.


المصدر:

مجمع الأمثال للنيسابوري 1/299.

زهر الأكم لليوسي 3/38.

إنَّ غداً لناظره قريب

إِنّ غَداً لنَاظِرِهِ قَرِيبُ.

أي لمنتظره، يقال: نَظَرْتُه أي انتظرته وأول من قال ذلك قُرَاد بن أجْدَعَ.

وذلك أن النعمان بن المنذر خرج يتصيد على فرسه اليَحْمُوم، فأجراه على أثَر عَيْر، فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر عليه، وانفرد عن أصحابه، وأخذته السماء.

 فطلب مَلْجأ ياجأ إليه، فدُفِع إلى بناء فإذا فيه رجل من طيء يقال له حَنْظَلة ومعه امرأة له، فقال لهما: هل من مَأوًى، فقال حنظلة: نعم، فخرج إليه فأنزله.

 ولم يكن للطائي غير شاة وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته: أرى رجلاً ذا هيئة وما أخْلَقَه أن يكون شريفاً خطيراً فما الحيلة؟ قالت: عندي شيء من طَحين كنت ادّخرته فاذبح الشاةَ لأتخذ من الطحين مَلَّة، قال: فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه مَلَّة، وقام الطائيّ إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها فاتخذ من لحمها مَرَقة مَضِيرة، وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، واحتال له شراباً فسقاه وجعل يُحَدثه بقية ليلته.

فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه، ثم قال: يا أخا طيء اطلب ثَوَابك، أنا الملك النعمان، قال: أفعل إن شاء الله، ثم لحق الخيل فمضى نحو الحِيرة.

ومكث الطائي بعد ذلك زماناً حتى أصابته نَكْبة وجَهْد وساءت حاله، فقالت له امرأته: لو أتيتَ الملك لأحسن إليك، فأقبلَ حتى انتهى إلى الحِيرَة فوافق يومَ بؤس النعمان.

وكان للنعمان بن المنذر يوم بؤس من صادفه فيه قتله، ويوم نعيم من لقيه أنعم عليه وأكرمه.

 فإذا هو واقف في خَيْله في السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه، وساءه مكانه، فوقف الطائي بين يدي النعمان، فقال له: أنت الطائيّ المنزول به؟ أي: الذي نزلت عنده، قال: نعم.

قال: أفلا جِئْتَ في غير هذا اليوم؟ قال: أبَيْتَ اللعن! وما كان علمي بهذا اليوم؟ قال: والله لو سَنَحَ لي في هذا اليوم قابوسُ ابني لم أجد بُدّا من قتله، فاطلب حاجَتَكَ من الدنيا وسَلْ ما بدا لك فإنك مقتول، قال: أبَيْتَ اللعنَ! وما أصنع بالدنيا بعد نفسي. قال النعمان: إنه لا سبيل إليها.

فقال الطائي: فإن كان لا بدّ فأجِّلْني حتى أُلِمَّ بأهلي فأوصي إليهم وأهيئ حالهم ثم أنصرف إليك.

 قال النعمان: فأقم لي كَفيلاً بموافاتك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان، وكان يكنى أبا الحَوْفَزَان وكان صاحب الردافة، وهو واقف بجنب النعمان، فقال له:

يا شريك بن عمرو .. ما من الموتِ انهزام

مَنْ لأطفالٍ ضِعافٍ .. عدمُوا طعمَ الطعام

بين رجوعٍ وانـتظارٍ .. وافتقارًا وسقام

يا أخا كلّ كريـمٍ .. أنت من قومٍ كِرام

يا أخا النعمان جد لي .. بــضمانٍ والتزام

ولكَ الله بأنّي .. راجع ٌ قبل الظلام

فأبى شريك أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كلب يقال له قُرَاد بن أجْدَع، فقال للنعمان: أبيت اللَّعْن! هو عليّ، قال النعمان: أفعلت؟ قال: نعم، فضمّنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائيّ إلى أهله.

 وجَعَلَ الأجَلَ حولا من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحولُ وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقُرَاد:

ما أراك إلا هالكاً غَداً، فقال قُرَاد:

فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم وَلىّ ... فإنَّ غَداً لناظرهِ قَريبُ

فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورَجْله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغَرِيَّيْنِ فوقف بينهما، وأخرج معه قُرَادا، وأمر بقتله، فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه، فتركه.

وكان النعمان يشتهي أن يقتل قُرَادا ليُفْلَتَ الطائي من القتل، فلما كادت الشمس تَجِبُ وقُرَاد قائم مُجَرَّد في إزار على النِّطَع والسيافُ إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول:

أيا عَيْنُ بكى لي قُرَاد بن أجْدَعَا ... رَهينا لقَتْلٍ لا رهينا مُوَدّعا

أتته المنايا بَغْتةً دون قومه ... فأمسى أسيراً حاضر البَيْتِ أضْرَعَا

فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له: ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكفَّ حتى انتهى إليهم الرجلُ فإذا هو الطائي.

 فلما نظر إليه النعمان شَقَّ عليه مجيئه، فقال له: ما حملك على الرجوع بعدَ إفلاتك من القتل؟ 

قال: الوفاء، قال: والله ما رأيتُ أعجبَ منكما أما أنتَ يا طائي فما تركتَ لأحدٍ في الوفاءِ مقاماً يقومُ فيه ولا ذِكراً يفتخرُ به ، وأمَّا أنتَ يا قراد فما تركتَ لكريمٍ سماحةً يُذكر بها الكرماءُ ، والله ما أدري أيهما أوفى وأكرام أهذا الذي نجى من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه ، والله لا أكون أَلْأَم الثلاثة ، وإنِّي قد رفعتُ يومَ بُؤسي عن الناس ونقضتُ عادتي كرامةً لوفاء الطائي وكرمُ قراد . وأحسن النعمان إلى الطائي ووصله بما أغناه ، وأعاده مكرماً إلى أهله .

فأنشد الطائي يقول:

ما كُنْتُ أُخْلِفُ ظنه بعد الذي ... أسْدَى إلىّ من الفَعَال الخالي

ولقد دَعَتْنِي للخلاف ضَلاَلتي ... فأبَيْتُ غيرَ تمجُّدِي وفعالي [ص:72]

إني امرؤ منِّي الوفاءُ سَجِية ... وجزاء كل مكارم بَذَّالِ

وقال أيضاً يمدح قُرَادا:

ألا إنما يسمو إلى المجد والعُلا ... مَخارِيقُ أمثال القُرَاد بْنِ أجْدَعَا

مخاريقُ أمثال القراد وأهله ... فإنهمُ الأخيار من رَهْطِ تبعا


المصدر:

- مجمع الأمثال للميداني: 1/70.

الخميس، 10 ديسمبر 2020

ندمتُ ندامة الكُسَعِي

 أندم من الكسعى

واسْم الكُسَعِي: محَارب بن قيس

وقد رغب في التفوق على منافسيه في الصيد، فخطط لاقتناء قوس ما رأت بمثله العربمن قوته ومرونته،

وكان يرعى إبلاً له بوادٍ مُعْشب، فبينما هو كذلك إذ أبْصرَ نَبْعَة في صخرة، فأعجبتُه، فقال: ينبغي أن تكون هذه قوساً فجعل يتعهدها ويرصدها حتى إذا أدْرَكتْ قطعها وجَفَّفها، فلما جفت اتخذ منها قوساً، وأنشأ يقول:

يارَبِّ وَفِّقْنِي لِنَحْتِ قَوْسِي ... فإنَّهَا مِنْ لَذَّتِي لِنْفْسِي

وَانْفَعْ بِقَوْسِي وَلَدِي وَعِرْسِي ... انْحَتُها صَفْرَاء مِثْلَ الوَرْسِ

صفْرَاء لَيْسَتْ كَقِسىِّ النِّكْسِ ...

ثم دهَنَها وخطمها بوَتَر، ثم عمد إلى ما كان من بُرَايتها فجعل منها خمسة أسْهُمْ، وجعل يقلبها في كفه ويقول:

هُنَّ وَرَبِّي أسْهُمٌ حِسَانُ ... تلذ للرَّامِي بِهَا البَنَانُ

كأنما قوامها مِيزانُ فأبشِرُوا بِالخِصْبِ يَا صِبيان

إن لم يَعُقْنِ الشؤمُ والحِرْمانُ ...

ثم خرج حتى أتى قُتَرَةً على مَوَارد حُمْر فكمن فيها، فرمى قطيع منها، فرمى عَيراً منها فأمخطه السهمُ: أي أنقذه فيه وجازه، وأصاب الجبل فأورَى ناراً، فظنَّ انه أخطأه فانشأ يقول:

أعُوذُ بالله العَزِيزِ الرَّحْمنْ ... مِنْ نَكْدِ الْجَدِّ مَعاً وَالْحِرْمَانْ

مَالي رَأيْتُ السَّهْمَ بَيْنَ الصوَّانْ ... يُورِى شَرَاراً مِثْلَ لَوْنِ الْعِقْيَانْ

فأخْلَفَ الْيَوْمَ رَجَاءَ الصِّبْيَانْ ...

ثم مكث على حاله فمر قطيع آخر، فرمى منها عَيْرا فأمْخَطَة السهم، وصَنَعَ صنيع الأول،

فأنشأ يقول:

لاَ بَارَكَ الرحمنُ في رَمي القَتر ... أعُوذُ بالخْالِقِ مِنْ سُوء الْقَدَرْ

أأمْخَطَ السَّهْمُ لإرْهَاقِ البَصَرْ ... أمْ ذَاكَ مِنْ سُوءِ احْتِياَلٍ وَنَظَرْ

أم لَيْسَ يغنى حذرٌ عِنْد قدر ... 

ثم مكث على حاله، فمر قطيع آخر، فرمى منها عيراً فأمخطه السهم، فصنع صنيع الثاني، فأنشأ يقول:

مَابَالُ سَهْمِي يُوْقِدُ اُلْحُبَاحَبَا ... قَدْ كُنْتُ أرجُو أنْ يَكُونَ صَائِباً

وأمكن العير وَوَلَّى جَنِباً ... فَصَارَ رَأْيِي فِيهِ رَأْياً خَائِياً

ثم مكث مكانه، فمر به قطيع آخر، فرمى عيراً منها فصنع صنيع الثالث، فأنشأ يقول:

يَا أََسَفِي للِشُؤمِ والجدّ النَّكدْ ... أَخْلَفَ مَا أرْجُو لأهْلٍ وَوَلَدْ

ثم مر به قطيع أخر، فرمى عيراً منها فصنع صنيع الرابع، فأنشأ يقول:

أبَعْدَ خَمْسٍ قَدْ حَفِظْتُ عَدَّهَا ... أحْمِلُ قَوْسِي وَأرِيدُ ورْدَهَا

أخْزَى الإلهُ لينها وَشدَّهَا ... وَاللهِ لاَ تَسْلَمُ عِنْدِي بَعْدَهَا

وَلاَ أُرَجِّى مَا حَيِيتُ رِفْدَهَا


ثم عمد إلى قوسه فضرب بها حَجَراً فكسرها، ثم بات، فلما أصبح نظر فإذا اُلْحمُرُ مطروحة حوله مُصَرعة، أسهمه بالدم مُضَرَّجة، فندم على كَسْر القوس، فشدَّ على إبهامه فقطعها، وأنشأ يقول:

نَدِمْتُ نَدَامَةٌ لَوْ أنَّ نَفْسِي ... تُطَاوِعُني إذاً لَقَطَعْتُ خَمْسِي

تَبَيَّنَ لي سفَاهُ الرَّأي مِنِّي ... لَعَمْرُ أبِيك حِينَ كَسرتُ قَوْسِي



وَقَالَ الفرزدق

نَدِمْتُ نَدَامَةَ الكُسَعِّي لمَّا ... غَدَتْ مِنِّي مُطَلَّقَةً نَوَارُ

وكانَتْ جَنَّتِي فَخَرَجْتُ منها ... كآدَمَ حِيْنَ أخْرَجَهُ الضِّرَارُ

فَكُنْتُ كَفَاقِئٍ عَيْنَيِهْ عَمْدَاً ... فأصْبَحَ مَا يُضِئُ لَهُ النَّسهَارُ

وَلَوْ أنِّي مَلكَتُ يَدِي وَقَلْبِي ... لَكَانَ عَلَىَّ لِلْقَدَرِ الخِيَارُ

وَمَا طَلَّقْتُها شِبَعاً، ولكِنْ ... رَأيْتُ الدَّهْرَ يأخُذُ مَايُعَارُ.


المصدر: 

- جمهرة الأمثال لابن مهران: 2/324.

- مجمع الأمثال للميداني: 2/342.

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

لكلِّ جوادٍ كبوة

 يضْرب هذا المثل للرجل الصَّالح يسْقط السقطة فيقولون (لكل حسام نبوة وَلكُل جواد كبوة وَلكُل حَلِيم هفوة وَلكُل كريم صبوة) 


وأول من قال ذلك ابْن الْقرْيَة : أيوب بن يزيد بن قيس بن زرارة النمري الهلالي، المعروف بابن القرّية

وكان أعرابياً أمياً، وهو معدود من جملة خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة.

وكان عامل الحجاج في منطقة يقال لها عين التمر، وكان العامل يغدي كل يوم ويعشي، فوقف ابن القرية ببابه فرأى الناس يدخلون فقال: أين يدخل هؤلاء فقالوا: إلى طعام الأمير، فدخل فتغدى وقال: أكل يوم يصنع الأمير ما أرى فقيل: نعم.

 فكان يأتي كل يوم بابه للغداء والعشاء، إلى أن ورد كتاب من الحجاج على العامل، وفاهتم لذلك، وتأخر بسبب ذلك طعامه.

فجاء ابن القرية فلم ير العامل يتغدى، فقال: ما بال الأمير اليوم لا يأكل ولا يطعم فقالوا: اغتم لكتاب ورد عليه من الحجاج ، قال: ليقرئني الأمير الكتاب وأنا أفسره إن شاء الله تعالى.

فلما قرئ عليه الكتاب عرف الكلام وفسره للوالي حتى عرفه جميع ما فيه فقال له: أفتقدر على جوابه قال: لست أقرأ ولا أكتب ولكن أقعد عند كاتب يكتب ما أمليه، ففعل.

فكتب جواب الكتاب، فلما قرئ الكتاب على الحجاج رأى كلاما عربياً غريباً، فعلم أنه ليس من كلام كتاب الخراج، وكان الحجاج ذكياً فصيحاً.

 فدعا برسائل عامل عين التمر فنظر فيها فإذا هي ليست كهذا الكتاب.

 فكتب الحجاج إلى العامل أما بعد، فقد أتاني كتابك بعيداً من جوابك بمنطق غيرك، فإذا نظرت في كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تبعث إلي بالرجل الذي صدر لك الكتاب، والسلام. 

قال: فقرأ العامل الكتاب على ابن القرية وقال له: تتوجه نحوه فقال: أقلني، قال: لا بأس عليك، وأمر له بكسوة ونفقة وحمله إلى الحجاج.

فلما دخل عليه قال: أيوب، قال: اسم نبي وأظنك أمياً تحاول البلاغة ولا يستصعب عليك المقال، وأمر له بنزل ومنزل، فلم يزل يزداد به عجبا حتى أوفده على عبد الملك بن مروان، فلما خلع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي الطاعة بسجستان وهي واقعة مشهورة بعثه

الحجاج إليه رسولاً، فلما دخل عليه قال له: لتقومن خطيباً ولتخلعن عبد الملك ولتسبن الحجاج أو لأضربن عنقك، قال: أيها الأمير إنما أنا رسول، قال: هو ما أقول لك، فقالم وخطب وخلع عبد الملك وشتم الحجاج، وأقام هنالك.

فلما انصرف ابن الأشعث مهزوماً  أُخِذَ ابْن الْقرْيَة إلى الْحجَّاج فَقَالَ يَا عَدو الله خرجت عَليّ مَعَ ابْن الْأَشْعَث 

قَالَ أصلح الله الْأَمِير كَيفَ مقَالَة الْأَسير المقهور الضَّرِير، المغلول حَده، التعس جده، لَيْسَ لَهُ من ظالمه نصير، وَلَا فِي أمره مشير، وَلَا لَهُ ملْجأ وَلَا عشير.

فعفا عنه،وقال له يوماً اذهب إِلَى هِنْد فأبلغها عني طَلاقهَا بكَلِمَتَيْنِ لَا تزد عَلَيْهِمَا،وَقد أمرت لَك بِمِائَة ألف دِرْهَم فَصَارَ إِلَيْهَا 

فَقَالَ إِن الْأَمِير يَقُول لَك كنتِ فبنتِ 

فَقَالَت وَالله مَا فرحنا بِهِ إِذْ كَانَ وَلَا حزنا عَلَيْهِ إِذْ بَان، قَالَ لها ابن القرية وَقد أَمر لَك بِمِائَة ألف دِرْهَم مَتَاعا قَالَت هِيَ لَك بشرى ثمَّ انْصَرف.

 وخطب الحجاج بالناس يوما فقال لابن القرية كيف رأيتني فقال: رَأَيْت الْأَمِير خَطِيبًا مصقعا قَالَ لتخبرني كيف ذلك، قَالَ: رَأَيْت الْأَمِير يُشِير بِالْيَدِ وَيكثر بِالرَّدِّ ويستعين بأما بعد

قال فدعا الحجاج بالنطع فَقَالَ ابْن الْقرْية أَيها الْأَمير لكل جواد كبوة وَلكُل شُجَاع نبوة وَلكُل كريم هفوة 

ثمَّ أنشأ يقول:


أقلني أقلني لا عدمتك عثرتي … فكل جواد لا محالةً يعثر

لعمري لقد حذرتني ونعيتني … وبصرتني لو أنني كنت أبصر

ليالي سهامي في اليدين صحيحة … ألا كل سهم مرةً يتكسر

وأحسن ما يأتي امرؤ من فعاله … تجاوزه عن مذنب حين يقدر

ولكن الحجاج لم يقله، وقتله بعد ذلك، حين لا ينفع الندم، وكان مقتله في سنة أربع وثمانين لهجرة


المصدر:

جمهرة الأمثال لابن مهران: 1/309

وفيات الاعيان لابن خلكان: 1/251

قلادة النحر بامخرمة: 1/476

الأحد، 6 ديسمبر 2020

الموضوع فيه إن - قصة الأمير الذكي

 تنقل عن الأمير علي بن منقذ (ت: 475هـ) حكاية عجيبة😏، وهو جد الأمير الأديب أسامة ابن منقذ الذي كان يحفظ عشرين ألف بيت من الشعر💪.

 كان الأمير علي يتردد إلى حلب قبل تملكه شيرز، وشيزر قلعة قرب حماة السورية، وصاحب حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس، فجرى أمر خاف الأمير علي على نفسه من الملك👊.

 فخرج من حلب إلى طرابلس الشام وصاحبها يومئذ جلال الملك بن عمار، فأقام عنده.

 فتقدم محمود بن صالح إلى كاتبه (نصر محمد بن الحسين علي بن النماس الحلبي)، وكان كاتباً ماهراً، أن يكتب إلى الأمير علي كتاباً يتشوقه ويستعطفه ويستدعيه إليه.

ففهم الكاتب أن الملك يقصد شراً بالأمير علي😈، وكان الكاتب صديقاً لسديد للأمير علي، فكتب الكاتب كما أمره الملك محمود، وإلى أن بلغ إلى " إن شاء الله تعالى " فشدد النون وفتحها إنَّ😐.

 فلما وصل الكتاب إلى الأمير علي بن منقذ، عرضه على ابن عمار صاحب طرابلس ومن بمجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب واستعظموا ما فيه من رغبة الملك محمود فيه وإيثاره لقربه.

 فقال الأمير علي إني أرى في الكتاب ما لا ترون😕، ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب " أنا الخادم المقر بالانعام " وكسر الهمزة من أنا وشدد النون إنَّا.

 فلما وصل الكتاب إلى الملك محمود وقرأه عليه الكاتب سر بما فيه😍.

ولما وصل إلى قوله إنا الخادم الفقير ووجدها مشددة فهم أن الأمير علي قد فهم رسالته، وقال لأصدقائه: قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى على سديد الملك، وقد أجاب بما طيب نفسي؛ وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) (القصص:20) . فأجاب الأمير علي بقوله تعالى: (إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها) (المائدة:24).

فكانت إن سبباً في إنقاذ الأمير علي بن منقذ 😆 هذه معدودة من تيقظ وفهم الأمير علي بن منقذ.


المصدر:

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 3/410.

المؤلف: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي (المتوفى: 681هـ)

المحقق: إحسان عباس

الناشر: دار صادر - بيروت

الطبعة: 1900م

السبت، 5 ديسمبر 2020

الشاعر حيص بيص

 وهو أبو الفوارس، سعد بن محمد بن سعد بن الصيفي التميمي، الملقب شهاب الدين، أديب وشاعر وفقيه مشهور من أهل بغداد، كان من أعلم الناس بأخبار العرب ولغاتهم وأشعارهم،

 وقد لقب بحيص بيص لأنه رأى الناس يوماً في حركة مزعجة وأمر شديد، فقال: «ما للناس في حيص بيص» فبقي عليه هذا اللقب.

ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط.

 وقيل سبب تلقبه بيت قاله يفتخر: وإني سوف أرفَعكم بيأس وإنْ طال المدى في حَيْص بيص.

وهو القائل:

ملكنا فكان العفو منا سجية فلما ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعف ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح


وتجدون ترجمته في:

- خريدة القصر للعماد الكاتب

- وسير اعلام النبلاء للذهبي

- وفيات الأعيان لابن خلكان

- معجم الأدباء لياقوت الحموي

أن تسمع بالمُعِيدي خيرٌ من أن تراه

ويرجع أصل المثل إلى المنذر بن النعمان أو المنذر بن ماء السماء، وذلك 

أن المنذر بن ماء السماء، قاله لشقة بن ضمرة التميمي، وقد كان سمع بذكره، فلما رآه اقتحمته عينه🤔، فقال: " أنَّ تسمع بالمعيدي خير من أنَّ تراه "😔 فأرسلها مثلا.

 فقال: شقة أبيت اللعن😠 إنَّ الرجال ليسوا بجزر  تراد منها الأجسام: إنّما المرء بأصغريه قلبه ولسانه.

وذكر عن الخليفة عبدالملك بن مروان ل كثير عزة

وكثير هو كُثير بن عبدالرحمن الأسود الخزاعي الذي احب عزة بنت جميل الكنانية ولم ينلها

ولقب ب كثير عزة من شدة حبه لها


و نسجت حول كثير عزة قصص كثيرة، وأشعار وغزل في الحب

وكان كُثير قصير القامة نحيل الجسم كما قيل إنه كان أعور كذلك.

فدخل على الخليفة عبدالملك، فقال له عبدالملك: أأنت كثير عزة🤔؟

 قال نعم، فقال الخليفة: أن تسمع بالمعيدى خير من أن تراه🤗!

فقال:يا أمير المؤمنين يا امير المؤمنين

كل عند محله رحب الفناء شامخ البناء عالي السناء💪

وأنشده يقول:

ترى الرجل النحيف فتزدريه

وفـي أثـوابـه أســد هـصـورُ

ويعجـبـك الطـريـر إذا تـــراهُ

ويخلفُ ظنكَ الرجـلُ الطريـرُ

بغـاث الطيـر أكثرهـا فراخـاً

وأم الصقر مقلات نزور


فقال عبد الملك: لله دره، ما أفصح لسانه، وأطول عنانه! والله إني لأظنه كما وصف نفسه.


المصدر:

-  الأمثال ص98:

المؤلف: أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224هـ)

المحقق: الدكتور عبد المجيد قطامش

الناشر: دار المأمون للتراث

الطبعة: الأولى، 1400 هـ - 1980 م

- زهر الأكم في الأمثال والحكم ص3/1047:

المؤلف: الحسن بن مسعود بن محمد، أبو علي، نور الدين اليوسي (المتوفى: 1102هـ) 

المحقق: د محمد حجي، د محمد الأخضر

الناشر: الشركة الجديدة - دار الثقافة، الدار البيضاء - المغرب

الطبعة: الأولى، 1401 هـ - 1981 م

المثل المشهور وافق شَنٌّ طَبقَة

 كان رجل من دُهاة العرب وعُقَلاَئهم يُقَال له شَنٌّ👳، يبحث عن امرأة 👫 تناسبه ليتزوجها، فلم يجد،

فقال: والله لأَطُوفَنَّ حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها.

فبينما هو في مسيره إذ وافقه رجل في الطريق👴، فسأله شنٌّ: أين تريد؟ فقال: موضع، كذا، وكانت القربة التي يقصدها شَنٌّ، فوافقه.

 حتى إذا أخذا في مسيرهما قال شَنٌّ للرجل: أتحْملُنِي أم أحْمِلُكَ؟😕

 فقال له الرجل: ياجاهل أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني😡؟ فسكتَ عنه شَنٌّ.😗

 وسارا حتى إذا قَرُبا من القرية إذا بزرع قد استَحْصَد، فقال شَنٌّ للرجل: أترى هذا الزرع أكِلَ أم لا؟ 😏

فقال له الرجل: يا جاهل ترى نَبْتاً مُسْتَحْصِداً فتقول أكِلَ أم لاَ👿؟ فسكت عنه شن.

 حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن للرجل: أترى صاحبَ هذا النّعْشِ حياً أو ميتاً؟ 😎

فقال له الرجل: ما رأيت أجْهَلَ منك، ترى جنازة وتسأل عنها أمَيْتٌ صاحبها أم حى؟ 😣 فسكت عنه شن، وأراد مُفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله فمضى معه، 

وكان للرجل بنت يقال لها طَبقة👩، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضَيفه، فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جهْلَه، وحدثها بحديثه،

 فقالت طبقة: ياأبت، ما هذا بجاهل، وإنه لحكيم💪، قال لها، وكيف ذلك:

 قالت أما قوله "أتحملنى أم أحملك" فأراد أتحدثُنى أم أحَدِّثك حتى نقطع عناء الطريق ومشقتها.

وأما قوله "أترى هذا الزرع أكِلَ أم لاَ" فأراد هَلْ باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا.

وأما قوله في الجنازة فأراد هل ترك عَقِباً يَحْيا بهم ذكرهُ ويدعى له ويحمل اسمه أم لا.

 فخرج الرجل فقعد مع شَنٍّ ورحب به وأكرمه وضيفه وحادثه ساعة.

 ثم قال أتحبُّ أن أفسِّرَ لك ما سألتنى عنه؟ قال: نعم.

 ففسر له الألغاز الثلاثة، فقال له شن: ما هذا من كلامك، فأخبرنى عن صاحبه، قال: ابنة لي، فقال: وما اسمها؟ قال: الرجل: اسمها طبقة.

 فخطبها شن💫 وتزوَّجها💝💞، وحملها إلى أهله، فلما رأَوْها قَالَوا: وافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ، فصارت بذلك مثلاً يضرب لمن توافق مع آخر في أمر ما.

المصدر/ مجمع الأمثال للنيسابوري 2/359 مثال رقم 4340

ما أشبه الليلة بالبارحة

 ما أشبه الليلة بالبارحة" مقولة شهير يرددها الكثير منا على لسانه لاسيما عندما تتشابه الحوادث وتتكرر المواقف وتتبدل الأراء والمبادئ، وله...